تعج الحملة الانتخابية الحالية بالكثير من أموال العملات الرقمية والخطابات المتعلقة بها، إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كان أي من المرشحين يكترث حقاً بهذه المسألة.
وتشير تقارير كثيرة إلى أن الخامس من نوفمبر، قد يشهد أول «انتخابات للعملات الرقمية» في الولايات المتحدة، خاصة مع تدفق مئات الملايين من الدولارات على لجان العمل السياسي، المعروفة بمواقفها المؤيدة للعملات الرقمية.
وقد تحدثت كامالا هاريس بالفعل عن تشجيع «التقنيات المبتكرة»، بينما بات دونالد ترامب، منافسها في السباق الرئاسي، يرى الآن أن عملة البيتكوين ليست «خدعة»، حيث أطلق سلسلة من المشاريع المتعلقة بالعملات الرقمية، متعهداً بجعل أمريكا «عاصمة العالم للعملات المشفرة».
وخلال الأسبوع الماضي، قال المدير التنفيذي لمجموعة الضغط «ستاند ويذ كريبتو»، التي أسستها ومولتها «كوين بيس»، أكبر بورصة للعملات الرقمية في أمريكا: «إن الناخب المهتم بالعملات الرقمية، أصبح أمراً واقعاً، وهؤلاء ينتمون لكلا الحزبين، ومستعدون للمشاركة في الدورة الانتخابية الحالية». وتمنح المجموعة درجات للسياسيين حسب موقفهم من العملات الرقمية، وحصل ترامب -على نحو غير معتاد- على علامة كاملة (A).
لكن لنكون صرحاء منذ البداية، فإن مفهوم ناخب العملات المشفرة لا وجود له بالمعني الموضوعي. وباستثناء مجموعة ضئيلة من الناس (أغلبهم رجال)، تعتمد سبل عيشها على هذه «الفقاعة الرقمية»، فإن معظم الأمريكيين لديهم قضايا أكبر تشغل بالهم، مثل أسعار المواد الغذائية والرعاية الصحية وسوق العمل، أو ربما الوضع العام لبلدهم.
وبالتالي، فإن فكرة وجود «قاعدة» من ناخبي العملات الرقمية يجب استرضاؤهم، وتتمثل قضيتهم الأساسية في ضمان عدم خضوع البورصات والشركات العاملة إلى التنظيم الصارم، هي فكرة غير واقعية. ومع ذلك، فهذا هو الطرح الذي تروج له الصناعة، مصحوباً ببعض الإحصاءات التي تم تفسيرها بشكل مختلف.
وتدعي مجموعة «ستاند ويذ كريبتو»، أن «العملات المشفرة هي أولوية وطنية.. مع استثمار 52 مليون مواطن أمريكي في العملات الرقمية، وهم يسعون لجعل أصواتهم مسموعة خلال الانتخابات المقبلة» (وحتى الادعاء بوجود 52 مليوناً موضع جدال). وقالت «يعتقد ما يقرب من 9 من كل 10 أمريكيين أن النظام المالي بحاجة إلى تحديث. ومع ذلك، يبدو أن صناع السياسات في الولايات المتحدة راضون عن استمرار الوضع الراهن، بدلاً من القيام بمسؤولياتهم».
ومن المحتمل أن يعني ذلك ضمان استمرار أشخاص مثل الملياردير براين أرمسترونج الرئيس التنفيذي لبورصة «كوين بيس»، في تنمية ثرواتهم. لأنه إذا كان التركيز حقاً على أصحاب العملات الرقمية، فهم يبلون بلاء حسناً (أو على الأقل المحظوظون منهم الذين اختاروا بورصة لم تسرق أموالهم).
ورغم أن ترامب يزعم أن إدارة بايدن-هاريس «معادية تماماً» للعملات الرقمية، وأنها «معادية بشكل لا يصدقه أحد»، فقد ارتفع سعر البيتكوين بأكثر من أربع مرات منذ انتخابات 2020، وبلغ أعلى مستوى له على الإطلاق، في وقت سابق من هذا العام. كما تضاعفت القيمة الإجمالية المقدرة لسوق العملات الرقمية 6 أضعاف تقريباً. وإذا كنا نتحدث عن الوظائف الأمريكية، تشير بيانات الصناعة أن ما يقرب من ثلث القوى العاملة العالمية في قطاع العملات المشفرة، موجود في الولايات المتحدة.
والأهم أن العملات المشفرة تمثل ما يقرب من نصف إجمالي إنفاق الشركات على الانتخابات حتى الآن، حيث جمعت لجنة العمل السياسي المؤيدة للعملات المشفرة «فيرشيك»، وحدها، أكثر من 200 مليون دولار.
وفي حين أنه من الواضح أن الحملة الانتخابية الحالية، تزخر بتمويل العملات المشفرة، فهل يكترث أي من المرشحين الرئاسيين حقاً؟ ودعونا نلقي نظرة على تصريحات هاريس، فهي لم تُدلِ بأي تصريح حتى وقت قريب، لكن الأسبوع الماضي، وخلال فعالية لجمع التبرعات في وول ستريت، صرحت أخيراً أنها «ستشجع التقنيات المبتكرة، مثل الذكاء الاصطناعي والأصول الرقمية، مع الحرص في الوقت نفسه على ضمان حماية مستهلكينا ومستثمرينا».
وكان هناك ردود فعل حماسية حيال هذا التحول المفاجئ، حتى إن «ستاند ويذ كريبتو» صنفت هاريس بدرجة «بي»، لكونها «مؤيدة للعملات المشفرة إلى حد ما»، قبل أن تخفض هذا التصنيف بعد مواجهة ردود فعل عنيفة .
وفي رأيي الخاص «هاريس لا تكترث للعملات المشفرة، فهي لم تقدم أي وعود على الإطلاق، وكانت تصريحاتها تهدف لتجنب معاداة عالم التكنولوجيا، من خلال الظهور بمظهر يتسم بالغلظة، بينما تبقي أولئك الذين يفضلون اللوائح التنظيمية الأكثر صرامة إلى جانبها.
أما ترامب، فقد باع أربع مجموعات من الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، وعرض بسخاء على الأمريكيين «فرصة لدعم الحملة باستخدام العملات الرقمية». لكن إذا كنت تعتقد أن اهتمامه يتجاوز مصالحه الخاصة، فعليك أن تكون مستعداً للشعور بخيبة أمل.
ورغم إشادة كبير مسؤولي السياسات لدى «كوين بيس» بترامب، بسبب «مواقفه الملموسة ورؤيته»، لكنه لا يبدو أنه يتعامل مع المسألة بجدية. وصرح خلال مؤتمر البيتكوين لعام 2024 في يوليو، قائلاً «استمتعوا بوقتكم باستخدام البيتكوين والعملات الرقمية، وكل الأشياء الأخرى التي تلعبون بها».
بالإضافة إلى ذلك، يفتقر ترامب إلى الفهم العميق، ولكي نكون منصفين، فهو يعترف بذلك. فعند إطلاق أحدث مشروع له ولأبنائه في مجال العملات المشفرة «وورلد ليبرتي فايننشيال»، شبه العملات الرقمية بتعلم اللغة الصينية. كما لا تزال أهداف الشركة غير واضحة.
على الأقل، يبدو أن «صاحب رؤية التمويل اللامركزي (DeFi)» في المشروع يفهم الأمر، حيث قال الرئيس السابق عن ابنه البالغ من العمر 18 عاماً، إن «بارون على دراية كبيرة بهذه الأمور»، مضيفاً «إنه يتحدث عن محفظته.. ولديه أربع محافظ أو نحو ذلك، لكنه على دراية بهذه الأمور». عموماً، عليكم أن تتذكروا أن الخامس من نوفمبر، قد يكون يوماً يعتريه الكثير من الخداع.