أصبح لا مفر من مشاهدة صورة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب التي جرى التقاطها بعد بضع دقائق من محاولة اغتياله، إذ باتت تتصدر الصحف الأميركية، وتُطبع على القمصان، ويتداولها الكثير على منصات التواصل الاجتماعي بتعليقات إما مؤيدة أو ساخرة، لليوم الرابع على التوالي.
الصورة هي لترامب، ويحيط به أفراد الخدمة السرية، بوجه يشوبه الدم، ويرفع قبضة إلى الأعلى، في إشارة إلى رجل يتحدى “الموت المحتمل”.
بل ذهب البعض لربط صورة ترامب “الأيقونية”، باللقطة الأشهر في التاريخ العسكري الأميركي والتي وثقت وضع العلم فوق فوهة أيو جيما البركانية في العام 1945، ومن ثمّ تحولت رمزًا للتضحية والفداء في الولايات المتحدة.
ويعتقد سياسيون أميركيون ومحللون في حديثهم لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن مشاهد ما بعد نجاة ترامب من محاولة الاغتيال “تحولت بالفعل إلى صور أيقونية” ستبقى خالدة في التاريخ الأميركي، في حين سيكون لها عامل مهم في مسار الانتخابية الأميركية، بيد أنها لن ترتقي إلى المقارنة مع صورة معركة “أيو جيما” والتي لها خصوصية كبيرة عند الأميركيين.
حكاية صورة “أيو جيما”
الصورة الأشهر كانت في معركة “أيو جيما”، وهي واحدة من أعنف المعارك التي خاضها الجيش الأميركي في جزيرة يابانية تبعد 1200 كيلو مترا عن طوكيو، في فبراير 1945.
وجرى تداول هذه الصورة خلال الحرب، وهي لـ6 جنود أميركيين يرفعون العلم الأميركي فوق جبل “سوريباتشي” أعلى فوهة أيو جيما، وبالتحديد يوم 23 فبراير من العام ذاته.
والتقط هذه الصورة التاريخية المصور بوكالة الأسوشيتد برس “جول روزنتال”، وعلى إثرها قرر مجلس الشيوخ الأميركي تحويلها إلى نصب تذكاري عقب يومين فقط من نشرها.
وإضافة لذلك، انتشرت تلك الصورة على جداريات المحلات ودور السينما والبنوك، وكطابع بريدي في الولايات المتحدة، كما استخدمت لاحقاً رمزا لحملة السندات السابعة أيام الرئيس فرانكلين روزفلت دعما للمجهود الحربي الأميركي، والتي جمع فيها 24 مليار دولار.
وفازت هذه الصورة بجائزة “بوليتزر” المرموقة عن فئة التصوير، واستخدمت لاحقًا لبناء نصب مشاة البحرية الحربي في عام 1954 في مقبرة أرلينغتون الوطنية، والذي خصص لتكريم جميع أفراد مشاة البحرية الذين لقوا حتفهم في الخدمة منذ عام 1775.
وأثناء الحرب العالمية الثانية، كانت معركة “أيو جيما” وحشية وقاسية، وأسفرت عن وقوع أعلى معدل للقتلى في تاريخ مشاة البحرية الأميركية، وبالتالي خلدت هذه الصورة ذكرى هذه المعركة.
هل ترتقي صورة ترامب لـ”أيقونة وطنية”؟
في تعليقه على صورته الأكثر انتشارًا للحادث، قال ترامب: “يقول الكثير من الناس إن هذه هي الصورة الأكثر أيقونية التي رأوها على الإطلاق”.
وأضاف في مقابلة أجرتها صحيفة “نيويورك بوست” الأميركية: “إنهم على حق وأنا لم أمت. عادة عليك أن تموت للحصول على صورة أيقونية”.
ويرى أستاذ الاتصال الاستراتيجي الذي تركز أبحاثه على الصور السياسية، إريك بوسي، أن “ترامب بالفعل لديه صورة أيقونية”، مضيفًا: “واحد على مر العصور، يمكن التعرف عليه على الفور”.
وأوضح بوسي أن “هذه الصورة تأتي فقط من حين لآخر، والصورة الأيقونية هي الصورة التي يتم فهمها عالميا دون أي تسمية توضيحية”، مشبهًا إياها بصورة الجنود أثناء رفع العلم في أيو جيما “سواءً كانت مقصودة أم لا، لا يهم”.
واستكمل: “ترامب لديه صورة أيقونية تاريخية، لقد تم تغريدها بالفعل ملايين المرات ولا توجد طريقة لنسيان ذلك إذا رأيتها مجددًا، كما جرى طباعتها على قمصان في غضون ساعتين من وقوع الحدث، وقد تحولت لعلامة تجارية كذلك وأعطت ترامب هدية تسويقية”.
في المقابل، تعتقد المحللة السياسية الأميركية إيرينا تسوكرمان في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، أنه “من المحتمل أن تصبح صورة ترامب تاريخية، لكنها لن تكون بنفس الطريقة التي تحظى بها صورة جنود “أيو جيما”؛ لأن ترامب نفسه شخصية شديدة الاستقطاب يتم إلقاء اللوم عليه في التغاضي عن العنف ضد خصومه السياسيين والمساهمة في النقد اللاذع وتأزيم المناخ السياسي”.
وأشارت إلى أن “ترامب يتطلع إلى إظهار نفسه كقائد قوي لا يختبئ في لحظة الخطر، على الرغم من حقيقة أنه على عكس الرئيس ريغان في ظل ظروف مماثلة، لم ينهي خطابه”، ومع ذلك توضح أنه بالنسبة للمرشح الجمهوري فهي “فرصة مواتية لإغراق الجمهور، بصور قوية تتحدث إلى الأميركيين أكثر من الخطب أو المقالات التحليلية”.
وعن تأثيرها على مسار الانتخابات، لفتت “تسوكرمان” إلى أن تلك الصورة يمكن أن يساعد ترامب على تنشيط قاعدته ودفع بعض الجمهوريين ممن لم يؤيدوه مسبقا إلى التصويت لصالحه، وربما حتى بعض المستقلين، مما قد يحدث فرقًا كبيرًا في الولايات المتأرجحة.
“تترسخ في الأذهان”
بدوره، اعتبر عضو الحزب الجمهوري، ماك شرقاوي، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن صورة الرئيس السابق ترامب وهو يرفع يده بالقبضة كعلامة للقوة والإصرار والتضامن “سوف ترسخ في أذهان الأمريكيين سنوات عديدة قادمة”.
وأضاف أنه “يمكن بالتأكيد أن تكون أيقونة في العقل الجمعي الأميركي لمدى رباطة جأش ترامب بعد أن كان على بُعد خطوات بسيطة من الموت.. بالفعل ستكون هذه الصورة أيقونة في التاريخ الأميركي بذات القدر الذي تتمتع به صور أيقونية أخرى خاصة لحدث يُتابع ليس فقط في الولايات المتحدة وحدها بل في العالم أجمع”.