تُعَد سماعات الرأس العازلة للضوضاء من أكثر أنواع السماعات شهرةً لأنها تعزل الأشخاص عن الضجيج المحيط بهم في الشارع والعمل.
إلا أن هذه السماعات أصبحت موضع تدقيق، بعد أن أثار خبراء السمع مخاوف من أن الإفراط في استخدامها قد يُضعف مهارات السمع لدى الناس، حيث أشاروا إلى أن تصفية الضوضاء الخلفية باستمرار قد تكون لها عواقب غير مقصودة على أذننا، وفقاً لما نقلته صحيفة «الغارديان» البريطانية.
ولاحظت رينيه ألميدا، رئيسة قسم السمعيات للبالغين في مؤسسة إمبريال كوليدج للرعاية الصحية، التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، ارتفاعاً في عدد البالغين الذين يأتون إلى عيادتها وهم يعانون مشاكل في السمع ليفاجأوا بأن الاختبارات تشير إلى أن سمعهم جيد.
وأضافت: «لقد اكتشفت مع الوقت أن المشكلة تكمن في أدمغتهم، وليس آذانهم، فقد يفشلون في تحديد مصدر صوت ما، أو يكافحون لمتابعة محادثة في القطار، أو في حانة أو في مطعم. وتُعرف هذه الحالة باسم اضطراب المعالجة السمعية (APD)، وغالباً ما يجري تشخيصها عند الأطفال، لذا فإن ارتفاع عدد البالغين الذين يعانون مشكلات مماثلة بدا غريباً بالنسبة لي. ولكنني أدركت أن الاستخدام الواسع النطاق لسماعات الرأس العازلة للضوضاء قد يكون السبب».
وأكملت: «إن الدماغ معتادٌ التعامل مع آلاف الأصوات المختلفة في الوقت نفسه، وكان دائماً قادراً على معرفة ما يستحق الاستماع إليه وما لا يستحق الاستماع إليه. ومع إلغاء الضوضاء، فأنت تعطي دماغك مصدراً واحداً للصوت، سواء أكان بودكاست أم موسيقى. مصدر واحد. ولا يوجد شيء آخر يمكن أن يشغل دماغك».

وتقول ألميدا إن الإفراط في استخدام السماعات العازلة للضوضاء قد يُضعف عملية النمو التي يتعلم بها الأطفال الانتباه إلى الأصوات. وبالنسبة للبالغين، قد يجعل ذلك أدمغتهم كسولة، تماماً كما تضعف العضلات دون ممارسة الرياضة. وفي كلتا الحالتين، قد يكافح الناس لتفسير الكلام في الضجيج المحيط بهم عندما يرغبون في ذلك.
ولفتت ألميدا إلى أنه في الوقت الحالي، لا يوجد دليل علمي على أن سماعات الرأس التي تعمل على إلغاء الضوضاء تُسبب اضطراب المعالجة السمعية، لكنها أكدت أهمية إجراء دراسات في هذا الشأن.
ويؤثر اضطراب المعالجة السمعية على ما يقرب من ثلاثة إلى خمسة في المائة من الأطفال في سن المدرسة. وقد ارتبط بانخفاض الوزن عند الولادة، وبالتهابات الأذن الوسطى المزمنة. وفي كبار السن، يمكن أن تحدث الحالة بسبب السكتة الدماغية أو تعرُّض الرأس لصدمة. وفي كثير من الحالات لا يتضح السبب أبداً.
وتقول الدكتورة شيريل إدواردز، اختصاصية السمع في مستشفى بوسطن للأطفال، إن الأطفال المصابين بهذا الاضطراب قد يجدون صعوبة في السمع بالفصول الدراسية، وصعوبة في تحديد مصدر الأصوات، كما أنهم يفتقدون الإشارات غير اللفظية، مثل التحول في نبرة الصوت التي تشير إلى السخرية، كما أنهم قد يعانون مشكلات في القراءة والتهجئة».
من جهته، يرى هارفي ديلون، أستاذ علم السمع بجامعة مانشستر، أن المشاكل السمعية التي تصيب الأشخاص بسبب استخدام سماعات الرأس العازلة للضوضاء، قد ترجع إلى فكرة أن الموسيقى الصاخبة يمكن أن تُلحق الضرر بالخلايا العصبية في الجهاز السمعي.
وأوضح قائلاً: «قد يكون الاستماع إلى الموسيقى الصاخبة هو سبب مشكلة المعالجة السمعية، وليس ميزة إلغاء الضوضاء».
وتقول البروفيسورة داني توملين، رئيسة قسم السمع وأمراض النطق بجامعة ملبورن، إن الأشخاص الذين يستخدمون سماعات الرأس، التي تعمل على إلغاء الضوضاء لفترات طويلة، قد يجدون صعوبة في الاستماع عندما يخلعونها، لكنها أكدت ضرورة إجراء دراسات مفصلة للتعرف على السبب العلمي لهذا الأمر.