في الأشهر التي سبقت افتتاح أول مطعم يمني بكادر نسائي، كانت مريم قد زارت المخا، ورأت فيها مكان مناسب لتأسيس مشروعها الخاص. “الجانب الأمني المستقر في المدينة” بدا مشجعا كما تقول.
مريم نديم (44 سنة)، امرأة مكافحة وطموحة من محافظة تعز، نالت حقها في التعليم المدرسي والجامعي، وراهنت عليه في مقاومة الظروف والتحديات، والتغيير من أجل واقع أفضل.
درست مريم اللغة الفرنسية في كلية الآداب بجامعة تعز، ولم يحالفها الحظ بوظيفة في مجال تخصصها، غير أن هذا لم يفقدها ايمانها بقيمة التعليم. في بلد مثل اليمن، فإن دراسة اللغة الفرنسية بالنسبة لفتاة، سيما في الأوضاع التي تمر فيه البلاد منذ أكثر من عشر سنوات، يبدو مضيعة وبلا جدوى، وإن عنى ذلك شيئاً فهو الأمل والطموح اللذين لدى مريم.
لم تشعر أستاذة اللغة الفرنسية بالاحباط ولم تنزو على نفسها وتندب الحظ العاثر، وذهبت لاستكمال طريقها في الدراسة في مجال الموارد البشرية وفي إدراة الأعمال، ونالت عنها العديد من شهادة الدبلوم، كما نشطت في العمل المجتمعي، وعملت لبضعة سنوات في التجارة الشخصية والأعمال اليدوية، ولم تكن سنوات الحرب سوى تحدي آخر قدمت خلالها مريم درساً في النجاح وعدم الاستسلام.
وعلى مدى سنوات، ظل مشروع مريم في افتتاح مطعم عائلي حلماً يراودها ولم تكن تملك حتى رفاهية الحديث عنه، وكانت الشكوك تساورها في حين قررت نقل الحلم إلى واقع عملي من أنه سيقابل بالرفض وسيصطدم بعادات وتقاليد المجتمع في الوقت الذي لا تزال مهنة العمل بالمطاعم حكراً على الرجال، أما أن تقف امرأة وتعلن عن افتتاح مطعماً وتعمل فيه أمام عيون الزبائن والمارة، فهذا مشهد غير اعتيادي ولا يراه الناس كل يوم.
تساهم العادات والتقاليد المجتمعة في اليمن في تحجم قدرة المرأة اليمنية، وتأطر حريتها في حدود ضيقة، وتضع عليها معايير تنتقص من أهليتها وتمس بإنسانيتها وكرامتها، الأمر الذي ساهم في تقييد النساء اليمنيات وحرمانهن من ممارسة الكثير من الأنشطة والأعمال، غير أن الظروف المعيشية القاسية التي تعاني منها الأسر منذ عشر سنوات من الحرب، أجبرت كثير من النساء في اليمن على العمل في مهن كانت لا تزال حكراً على الرجال، وشهدت سنوات الحرب انخراط كثير من الفتيات في العمل بأقسام عائلية في مطاعم يديرها الرجال.
بالنسبة لمريم، فقد أرادت أن تصنع مجداً استثنائياً وعملاً نوعياً متميزاً ينتصر للمرأة في المقام الأول، من خلال إدارتها للمطعم بنفسها، وان يكون كادر المطعم من النساء “حتى تأخذ المرأة حقها، وتصبح قادرة على أن تعول نفسها وأسرتها”. كما تقول. لذا توجب على مريم المضي قدماً وأن تخوض معركتها بإصرار وثقة و وعي ضد المعارضين لفكرة المشروع حيث اتهمت بـ”العولمة”، وكما راحت تدين الأفكار التي تحجم دور المرأة في المجتمع.
عملت مريم على تنظيم وتجهيز المطعم بما يلزم من أدوات وديكور وألوان زاهية وإضاءة متناسقة، يضاف لمسة المرأة في الحصول على التميز، وفي مطلع مايو المنصرم، في مكان هادئ بعيداً عن الزحام و ضوضاء السوق من وسط المدينة، أعلنت السيدة مريم عن افتتاح مطعمها، والذي سيعرف باسم مطعم “سيتا ماس Seetah Mass.”
تتحدث مريم عن نفسها بوثوقية امرأة راهنت على التعليم وراكمت تجارب وخبرات واسعة صنعت منها شخصية لا تعرف الاستسلام، وبرغم من نجاحها في اقناع المعارضين، وبقدر ما يمثل المشروع من نقلة نوعية وانتصار لحرية المرأة وحقها في شق طريقها والاعتماد على نفسها، لم تتحصل مريم على دعم مادي أو معنوي من أي شخص أو جهة، وعدا عن امتلاكها “الفكرة والطموح والثقة في النفس”، كما تتحدث: “لم أكن أملك الكثير من المال، فاقترضت وبدأت بتنفيذ مشروع.”
ينقسم فضاء المطعم، الذي أصبح يقدم المطعم الأكلات الشرقية والغربية بأنواعها، إلى كبائن صغيرة ومربعات كبيرة للعائلات وأخرى خاصة بالمناسبات مثل أعياد الزواج وأعياد الميلاد، تقول مريم: “الناس تحب تذوق كل ما هو جديد، وأن جيل الشباب جيل متذوق”. وتشير إلى أن زوار المطعم يتفاقم يوم بعد آخر، وأن أكثر من كانوا يعارضون فكرة العمل، أصبحوا مؤيدين ويرتادون المطعم مع عائلاتهم. وهكذا اقتحمت السيدة مريم فضاء مهنة كانت ولا تزال حكراً على الرجال، وانتزعت انتصاراً للفكرة وللحرية والتمدن.