الرئيسية » الإمارات في سباق الـ AI.. رؤية استراتيجية وطموح عالمي

الإمارات في سباق الـ AI.. رؤية استراتيجية وطموح عالمي

by ekram

تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة كنموذج فريد في المنطقة، يطمح إلى لعب دور قيادي لا يقتصر على الاستخدام بل يمتد إلى التطوير والتأثير العالمي، فبينما تتنافس الدول الكبرى على الريادة في هذا المضمار، تشق الإمارات طريقها بثبات، مستندة إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى واستثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية والبحث العلمي.

ويأتي دخول الإمارات إلى سباق الذكاء الاصطناعي كخيار سيادي واعٍ، يعكس إدراكها العميق لطبيعة التحولات العالمية وأهمية امتلاك أدوات المستقبل، ذلك أن الدولة لا تكتفي باعتماد التقنيات الأجنبية، إنما تعمل على تطوير نماذجها الخاصة، وهو التوجه الذي يعكس تطلعاً إلى ترسيخ استقلالية رقمية وتعزيز القدرة التنافسية في سوق التقنية العالمية.

لم تقتصر الطموحات الإماراتية على الجانب البحثي فقط، بل امتدت إلى بناء شراكات استراتيجية مع كبرى شركات التكنولوجيا العالمية، مع العمل على تأسيس مراكز بيانات ضخمة ومجمعات حوسبة عالية الكفاءة، ما يرسّخ مكانتها كمركز إقليمي وعالمي لصناعة الذكاء الاصطناعي.

في هذا السياق، يُبرز تقرير لـ “بلومبيرغ” إطلاق إحدى الجهات البحثية الإماراتية نموذج ذكاء اصطناعي جديداً باللغة العربية، وصفه بـ “القوي”؛ في محاولة للحفاظ على تقدمها التكنولوجي على منافسيها في الشرق الأوسط.

  • تم تدريب النظام الجديد، المسمى “Falcon Arabic“، على مجموعة بيانات تشمل اللغة العربية الفصحى واللهجات الإقليمية.
  • يؤكد معهد الابتكار التكنولوجي (TII)، المجموعة التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، أن النظام الجديد يُضاهي أداء نماذج يصل حجمها إلى عشرة أضعاف حجمه.
  • كما أطلق المعهد نموذج “فالكون إتش 1″، وهو نموذج صغير الحجم، يتفوق في أدائه على خيارات مماثلة الحجم من شركتي “ميتا بلاتفورمز” و “مجموعة علي بابا”.

يشير التقرير إلى أنه “في الشرق الأوسط، كما في أسواق أخرى، تُعيد الشركات النظر في جدوى التكلفة الباهظة لبناء نماذج ذكاء اصطناعي متطورة من الصفر.

وتشير إصدارات فالكون الجديدة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تُنافس بقوة على البقاء في سباق الذكاء الاصطناعي.

ووفق تقرير “بلومبيرغ”:

  • تمضي الإمارات قدماً في استغلال الطفرة الحالية في مجال الذكاء الاصطناعي بوسائل تتجاوز تطوير النماذج فقط. فقد أعلنت شركة G42 مؤخراً عن خطط لبناء مجمع بيانات بسعة 5 غيغاواط في أبوظبي، بالتعاون مع عدة شركات أميركية.
  • كما دخلت MGX في تعاون مع شركة إنفيديا وشركات فرنسية لإنشاء ما يُقال إنه سيكون أكبر مجمع لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في أوروبا.
  • وقد قام MGX أيضًا بدعم مطوري الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، بمن فيهم شركة OpenAI وxAI التابعة لإيلون ماسك.

الإمارات تدشّن ثاني أكبر مجمّع للذكاء الاصطناعي في العالم

سد الفجوة

يقول استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في G&K، عاصم جلال، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:

  • “تفتقر معظم نماذج الذكاء الاصطناعي إلى الحساسية اللازمة لفهم اللغة والهوية العربية بتفاصيلها الدقيقة والمعقدة، إذ لا يشكل المحتوى العربي سوى نسبة محدودةمن البيانات التي تم تدريب هذه النماذج عليها”.
  • “مع تزايد الاهتمام بالذكاء الاصطناعي في العالم العربي، خصوصاً في الإمارات والسعودية، أصبح من الضروري تعزيز وعي الذكاء الاصطناعي بثقافتنا ولغتنا”.
  • “برزت في هذا الإطار مبادرات هادفة مثل مبادرة الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، والتي تسلط الضوء على الحاجة الملحة لمزيد من الجهود لتطوير نماذج تراعي الخصوصية الثقافية واللغوية للمنطقة”.

ومن هنا، يؤكد أن النموذج الإماراتي الجديد يُعد استجابة عملية وملموسة لهذه الحاجة الملحة، حيث تم تدريبه على كمية ضخمة من البيانات باللغة العربية الفصحى وبعض اللهجات المحلية، وقد أظهر أداءً متميزاً تجاوز بعض النماذج العالمية الأكبر حجماً”.

ويلفت إلى أن النموذج الذي تم تطويره في دولة الإمارات بتدريب مكثف على بيانات عربية يأتي أيضاً بعد نموذج “جيس”، ما يعكس التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بريادة الذكاء الاصطناعي باللغة العربية.

خطى إماراتية متسارعة

في أكتوبر 2017، أطلقت حكومة دولة الإمارات استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، وتمثل هذه المبادرة المرحلة الجديدة بعد الحكومة الذكية، والتي ستعتمد عليها الخدمات، والقطاعات، والبنية التحتية المستقبلية في الدولة بما ينسجم ومئوية الإمارات 2071، الساعية إلى أن تكون دولة الإمارات الأفضل بالعالم في المجالات كافة.

وبحسب البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن الاستراتيجية الأولى من نوعها في المنطقة والعالم، تهدف الإمارات من خلالها إلى:

  • تحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071، وتعجيل تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية لبلوغ المستقبل
  • الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل 100% بحلول عام 2031
  • الارتقاء بالأداء الحكومي وتسريع الإنجاز وخلق بيئات عمل مبتكرة
  • أن تكون حكومة الإمارات الأولى في العالم، في استثمار الذكاء الاصطناعي بمختلف قطاعاتها الحيوية
  • خلق سوق جديدة واعدة في المنطقة ذات قيمة اقتصادية عالية
  • دعم مبادرات القطاع الخاص وزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى بناء قاعدة قوية في مجال البحث والتطوير
  • استثمار أحدث تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في شتى ميادين العمل بكفاءة رفيعة المستوى
  • استثمار كل الطاقات على النحو الأمثل، واستغلال الموارد والإمكانات البشرية والمادية المتوافرة بطريقة خلاقة.

إضافة نوعية

بدوره، يشير المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، أحمد بانافع، إلى أن الخطوة الأخيرة من قبل الجهة البحثية التابعة لحكومة أبوظبي، بإطلاق نموذج جديد للذكاء الاصطناعي باللغة العربية، تمثل إضافة نوعية ومحورية في سياق تطور الذكاء الاصطناعي بشكل عام، وفي دعم المنافسة في هذا القطاع بالمنطقة بشكل خاص.

عمالقة وادي السيليكون يدعمون مركز الذكاء الاصطناعي بالإمارات

ويشير إلى ما يضيفه مثل هذا النموذج في سياق وسباق الذكاء الاصطناعي، لا سيما فيما يتعلق بتعزيز المحتوى العربي الرقمي، ذلك أن اللغة العربية، على الرغم من كونها واحدة من أكثر اللغات انتشاراً في العالم، لا تزال تعاني من نقص في المحتوى الرقمي عالي الجودة والمدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي. وبالتالي فإن تطوير نموذج ذكاء اصطناعي مخصص للغة العربية يسهم بشكل كبير في سد هذه الفجوة.

يؤدي ذلك إلى تحسين فهم اللغة الطبيعية  وتوليدها للغة العربية، وفق بانافع، الذي يشير إلى أن النماذج العالمية الكبرى (مثل GPT و Gemini) يتم تدريبها بشكل أساسي على بيانات اللغة الإنجليزية، وقد لا تستوعب تمامًا تعقيدات اللغة العربية، مثل تنوع اللهجات، وتصريف الأفعال، وثراء المفردات، والفروق الدقيقة الثقافية. بينما النموذج العربي المتخصص يمكنه فهم هذه التعقيدات وتقديم استجابات أكثر دقة وطبيعية.

كما يتحدث عن “تطبيقات أكثر فاعلية”، بحيث يتيح ذلك تطوير تطبيقات ذكاء اصطناعي موجهة للمستخدمين العرب تكون أكثر كفاءة وفعالية، مثل: (المساعدين الافتراضيين  وخدمة العملاء، ومحركات البحث التي تفهم الاستفسارات العربية المعقدة، وكذلك أدوات الترجمة الآلية المحسّنة، وتطبيقات التعليم والترفيه باللغة العربية، وتحليل البيانات الضخمة النصية باللغة العربية بكفاءة أعلى).

من بين أهم الإضافات أيضاً التي يساعد النموذج فيها، بحسب بانافع، ما يتعلق بمعالجة الفروق اللغوية والثقافية، لا سيما وأن اللغة العربية ليست لغة واحدة متجانسة، بل تحتوي على العديد من اللهجات العامية إلى جانب اللغة العربية الفصحى الحديثة.

ويرى أن تطوير مثل هذه النماذج يمثل استثماراً في القدرات البحثية والتطويرية المحلية، مما يقلل الاعتماد على التقنيات الأجنبية ويعزز السيادة التكنولوجية للدول العربية، وهذا يسهم في:

  • بناء الخبرات المحلية من خلال استقطاب وتطوير المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي وهندسة اللغات الطبيعية.
  • تحفيز الابتكار، إذ يشجع على إنشاء شركات ناشئة وتطوير حلول مبتكرة تلبي الاحتياجات الخاصة بالمنطقة.

ريادة إماراتية

ورداً على سؤال حول “كيف تدعم مثل هذه النماذج المنافسة في هذا القطاع في المنطقة؟”، يحدد المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، مجموعة من العوامل الرئيسية، على النحو التالي:

  • الريادة الإقليمية: بإطلاق نموذج متقدم للذكاء الاصطناعي باللغة العربية، تؤكد الإمارات على ريادتها في سباق الذكاء الاصطناعي في المنطقة. وهذا يعزز مكانتها كمركز للابتكار التكنولوجي ويجذب المزيد من الاستثمارات والشركات العالمية.
  • توطين التقنيات: بدلاً من استيراد حلول الذكاء الاصطناعي الجاهزة، يسهم هذا النموذج في توطين التقنيات، مما يعني أنها مصممة ومبنية لتلبية الاحتياجات المحلية بشكل أفضل. وهذا يعطي ميزة تنافسية للشركات والمؤسسات التي تستخدم هذه النماذج المتخصصة.
  • دفع عجلة الابتكار عبر الحدود: النجاح في تطوير نموذج عربي متقدم يمكن أن يلهم دولًا أخرى في المنطقة للاستثمار في تطوير نماذج خاصة بها أو التعاون مع الجهات الرائدة. هذا يخلق بيئة تنافسية صحية تدفع عجلة الابتكار وتبادل الخبرات والمعرفة.
  • تلبية احتياجات السوق: هناك سوق ضخمة وغير مستغلة بشكل كامل للذكاء الاصطناعي باللغة العربية. والشركات التي يمكنها تقديم منتجات وخدمات مدعومة بنموذج ذكاء اصطناعي عربي قوي ستتمتع بميزة تنافسية كبيرة في الوصول إلى مئات الملايين من المتحدثين باللغة العربية.
  • جذب الاستثمار والمواهب: إظهار القدرة على تطوير نماذج ذكاء اصطناعي متطورة يجذب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المنطقة، بالإضافة إلى جذب المواهب العالمية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي.

ويختتم حديثه بالتأكيد على أن إطلاق نموذج ذكاء اصطناعي باللغة العربية يمثل خطوة استراتيجية تسهم في تسريع تبني الذكاء الاصطناعي في العالم العربي، وتؤكد على أهمية التخصيص اللغوي والثقافي في بناء أنظمة ذكاء اصطناعي فعالة، وتضع اللاعبين المحليين في طليعة المنافسة الإقليمية والعالمية في هذا المجال الحيوي

You may also like