حملت نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية، مفاجآت كبرى؛ بتقدم اليسار وتصدره المشهد إلى حد كبير، الأمر الذي ترك المعلقين السياسيين ينتظرون سيناريو “البرلمان المعلق” الذي من شأنه أن يشكل تحدياً لكل من صناعة السياسات والأسواق المالي على حد سواء.
وفي ظل ما عكسته الانتخابات من عدم حصول أي من المجموعات الرئيسية الثلاث (ائتلاف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري، وحزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحلفائه، وحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف) على الـ 289 مقعداً اللازمة للأغلبية المطلقة، فقد يحدث جمود خلال الأسابيع المقبلة.. فكيف يُمكن أن ينعكس ذلك على الأسواق؟
في الفترة التي سبقت الجولة الثانية من التصويت، حذر المحللون في سيتي غروب من أن “النتائج ذات الاحتمالية الأعلى مثل الجمود “من شأنها أن تعني انخفاض تقييمات سوق الأسهم بنسبة تتراوح بين 5 إلى 20 بالمئة”.
وأضاف: علاوة على تقديراتنا بأن الأسهم الفرنسية تميل إلى أن تكون أكثر تقلباً من نظيراتها بشأن الانتخابات عادة، فقد يكون هذا سبباً لتوقع المزيد من التقلبات.. وفي السياق، عادة ما تكون الحركة بنسبة 10 بالمئة في الأسهم الفرنسية مصحوبة بحركة بنسبة 8 بالمئة من قبل المؤشر الأوروبي ستوكس 600″.
حالة عدم اليقين
وفي السياق، تحدث محللون في شركة دايوا كابيتال ماركتس الاستثمارية، أيضاً عن حالة عدم اليقين مع عدم تمكن أي حزب بمفرده من الحصول على الأغلبية المطلقة. وفي مذكرة بحثية في وقت سابق من هذا الأسبوع، قال المحللون إن تشكيل ائتلاف كبير من أحزاب اليسار والوسط المعتدلة، أو حكومة وحدة أو حكومة أقلية، كلها نتائج ممكنة.
وعلى الرغم من ذلك، قال المحللون إن “عدم اليقين بشأن آفاق صناعة السياسات الفرنسية من المرجح أن يستمر لفترة طويلة”، وفق ما ذكره تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية اطلع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عليه.
المخاوف بشأن الإنفاق
- كانت خطط الضرائب والإنفاق التي وضعها حزب الجبهة الشعبية الجديدة اليساري وحزب التجمع الوطني اليميني المتشدد أحد الأسباب الرئيسية للقلق منذ الإعلان عن الانتخابات المبكرة.
- تواجه فرنسا وضعاً مالياً صعباً. حتى أن المفوضية الأوروبية قبل أسبوعين أعلنت عن أنها تعتزم وضع فرنسا تحت إجراء العجز المفرط بسبب فشلها في إبقاء عجز موازنتها في حدود 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
- يشكل إجراء العجز المفرط إجراءً تتخذه المفوضية الأوروبية ضد أية دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تتجاوز سقف العجز في موازنتها أو تفشل في خفض ديونها.
ونقل التقرير عن نائب كبير خبراء الاقتصاد في منطقة اليورو لدى كابيتال إيكونوميكس، جاك ألين رينولدز، قوله في مذكرة:
- “إن البرلمان المنقسم يعني أنه سيكون من الصعب على أية حكومة تمرير التخفيضات في الميزانية الضرورية لفرنسا للامتثال لقواعد الميزانية في الاتحاد الأوروبي ووضع دينها العام على مسار مستدام”.
- “فرصة الصدام بين حكومة فرنسا (وحكومات دول أخرى) والاتحاد الأوروبي بشأن السياسة المالية زادت الآن بعد إعادة تطبيق قواعد الميزانية في الاتحاد، ومن المقرر وضع العديد من الدول ــ بما في ذلك فرنسا وإيطاليا ــ في إجراءات العجز المفرط”.
أزمة السندات
وأشار التقرير في الوقت نفسه إلى انتشار حالة من التوتر في سوق السندات الفرنسية خلال الأسابيع الأخيرة؛ فقد سجلت علاوة تكاليف الاقتراض في فرنسا مقارنة بتلك في ألمانيا أعلى مستوياتها منذ عام 2012.
وارتفع العائد على سندات الحكومة الفرنسية القياسية لأجل عشر سنوات أيضا إلى ما يزيد عن 3.3 بالمئة، وهو أعلى مستوى في ثمانية أشهر تقريبا، منذ دعا ماكرون إلى انتخابات مبكرة في منتصف يونيو.
ووفق رئيس شركة إندبندنت استراتيجي، ديفيد روش، في مذكرة يوم الأحد (لدى إجراء الجولة الثانية من الانتخابات)، فإن المؤشرات المبكرة لفوز التحالف اليساري قد تكون أسوأ اقتصادياً من حكومة التجمع الوطني. وقال إن أي ارتياح لتجنب فوز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف سيكون قصير الأجل. وأوصى ببيع سندات الحكومة الفرنسية على المكشوف مقابل السندات الألمانية ”حيث يبلغ الفارق 70 نقطة أساس فقط.
البرلمان المعلق
فيما يرى كبير خبراء الاقتصاد في بنك بيرينبرج، هولجر شميدنج، فإنه بينما البرلمان المعلق هو السيناريو الأكثر ترجيحا والأقل سلبية منذ أعلن ماكرون عن الانتخابات لأول مرة، فمع ذلك “هذه النتيجة ليست جيدة على أقل تقدير.. فهي تعني نهاية إصلاحات ماكرون المؤيدة للنمو.. وأي حكومة سوف تكافح من أجل إنجاز الكثير”.
ووفق كبير خبراء الاقتصاد ورئيس استراتيجية الاستثمار في شركة إيه إم بي، شين أوليفر، فإن البرلمان المعلق لن يكون مفيداً من حيث الإصلاحات وخفض العجز.
لكنه أضاف أن هذا قد يُنظَر إليه باعتباره النتيجة الأقل سوءاً بالنسبة للأسواق؛ لأنه من شأنه أن يقلل من فرصة الصراع بشأن السياسة المالية ويحول دون تبني سياسات الإصلاح المتطرفة.
كيف يتأثر الاقتصاد الفرنسي؟
وفي تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، يتحدث الكاتب والمحلل المقيم في فرنسا، علي المرعبي، عن مدى التأثيرات المرتبطة بالتفاعلات الاقتصادية الداخلية في فرنسا، وكذا العلاقات الاقتصادية مع ثنائية ومتعددة الأطراف التي تجمع باريس بالعالم الخارجي.
ويشير إلى أنه فيما يخص الأسواق الفرنسية وكذلك العلاقات التجارية الخارجية فإن الوضع سيشهد بعض الحذر، لكن لن يكون هناك شلل في الأسواق أو العلاقات التجارية على أي حال حتى مع حالة عدم اليقين الحالية.
ويضيف: “هذه أزمة سياسية.. وفرنسا قادرة على تجاوزها بحكم وجود برلمان، حتى لو لم تكن أية كتلة تتمتع فيه بأغلبية مطلقة، خاصة في ظل وجود استقرار سياسي وأمني (..) حتى لو كانت هناك حكومة تصريف أعمال أو وضع سياسي معلق فذلك لن يؤثر بشكل جدي، وحاد على التبادل التجاري، والأسواق في فرنسا وأوروبا عموماً”.
ويستطرد المرعبي: “إذا ما استمر غابرييل أتال في رئاسة الحكومة، فذلك سوف ينعكس سلباً على الجوانب الاقتصادية لفرنسا، وسنرى هل سيكون هناك تفاهم مع اليسار لتشكيل حكومة جديدة تحظى بالأغلبية المطلقة من خلال التحالف بين اليسار واليمين الوسط من عدمه”.
إرباك الأسواق
من ناحيته، قال الكاتب الصحافي من باريس، نزار الجليدي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه ما من شك أن الأسواق أو الأسهم الفرنسية بصفة عامة تتأثر الآن بالوضع السياسي خاصة في ظل برلمان معلق، مشيراً إلى أنه في العموم الانتخابات الفرنسية تزعزع الأسواق (..)، وهو ما عبرت عنه الأسهم بشكل عملي.
في تعاملات مستهل الأسبوع، وبعد يوم الجولة الثانية من الانتخابات في فرنسا، تراجع مؤشر كاك الفرنسي 0.63 بالمئة فاقداً نحو 50 نقطة، ليغلق عند مستوى 7,627.45 نقطة.
وتابع: الأسهم الفرنسية انخفضت، وارتفعت العائدات على السندات، مقارنة بالسندات الألمانية، بعد أن تركت الانتخابات الفرنسية الأثر الكبير، بجانب وضعية هذا البرلمان المعلق، خصوصاً في ظل الآفاق المعقدة لتشكيل حكومة.
وأشار إلى أن أن الفارق بين عوائد سندات الخزانتين الفرنسية والألمانية لأجل 10 سنوات ارتفع بمقدار نقطتي أساس، وهذا يعني أن هذه الأسواق متأثرة بشكل كبير، وهي رهينة الحالة السياسية، موضحاً أن الأسواق الفرنسية تترنح تماماً مثل ترنح الحالة السياسية الفرنسية بشكل عام، وتواجه موقفاً مالياً صعباً، والمفوضية الأوروبية -قبل أسبوعين- حذرت من تداعيات هذا الوضع السياسي الجديد في فرنسا، خاصة في ظل الوضع السياسي أمام أسواق باهتة ومرتهنة إلى ذلك الوضع بشكل كبير.