الرئيسية » هل تراجع إيران شعاراتها تحت وطأة الاقتصاد؟

هل تراجع إيران شعاراتها تحت وطأة الاقتصاد؟

by ekram

فصل جديد يبدو أنه يُكتب حالياً في العلاقة بين عدوين لدودين؛ إيران والولايات المتحدة؛ فبعد عقود من العداء والشعارات الثورية، تلوح في الأفق ملامح تحولٍ دراماتيكي، مدفوعة بوطأة أزمات اقتصادية خانقة تضرب طهران، وضغوط إقليمية متزايدة تُعيد رسم خرائط النفوذ خاصة بعد حرب الرسوم التي أشعلها الرئيس دونالد ترامب.

فهل تتحول أميركا التي لطالما وصفها الإيرانيون بـ “الشيطان الأكبر” إلى شريك مُحتمل؟ وهل تُثمر مفاوضات الضرورة عن “صفقة كبرى” تُعيد تشكيل المنطقة برمتها؟

حلقة جديدة من برنامج “بزنس مع لبنى” على “سكاي نيوز عربية”، حللت الدوافع والتداعيات والسيناريوهات المحتملة لمستقبل العلاقات بين طهران وواشنطن في ظل مشهدٍ جيوسياسي بالغ التعقيد.

ويشار إلى أن هذا التحول الدراماتيكي لا يمثل مجرد تغيير تكتيكي في السياسة الخارجية الإيرانية، بل يعكس ضرورة مُلحة فرضتها سنوات طويلة من العقوبات الدولية التي أثقلت كاهل الاقتصاد الإيراني، ودفعت ملايين الإيرانيين إلى براثن الفقر والبطالة.

أرقام مُفزعة وحياة مُنهكة

إيران التي لطالما تباهت بمقاومتها للعقوبات الغربية، تجد نفسها اليوم أمام خيارات صعبة، حيث يُهدد التدهور الاقتصادي بنيان النظام نفسه.

  • قرابة ثلث الشعب الإيراني، أي ما يقارب 28 مليون نسمة، يعيشون تحت خط الفقر.
  • يُعاني 22 مليون شخص من البطالة غالبيتهم من الشباب الذين يمثلون الشريحة الأكبر من المجتمع.
  • الخسائر الاقتصادية الناجمة عن العقوبات المرتبطة بالملف النووي خلال السنوات التسع عشرة الماضية تبلغ تريليون و700 مليار دولار، وهو رقم يفوق أربعة أضعاف حجم الاقتصاد الإيراني الحالي.
  • التداعيات امتدت لتطال قيمة العملة الوطنية، حيث سجل الريال الإيراني أدنى مستوياته على الإطلاق، ليصبح العملة الأسوأ أداءً في العالم.
  • تجاوز معدل التضخم حاجز الـ 50 بالمئة، ووصل تضخم أسعار السلع إلى أكثر من 60 بالمئة.
  • أسعار العقارات في العاصمة طهران شهدت ارتفاعات جنونية، حيث قفز سعر المتر المربع بنسبة 75 بالمئة خلال عام 2023 وحده.
  • على الصعيد الاجتماعي، ارتفعت معدلات الطلاق بشكل ملحوظ، حيث سُجل أكثر من 202 ألف حالة طلاق سنوياً في إيران، ووصلت النسبة في طهران إلى 50 بالمئة، كنتيجة مباشرة للضغوط الاقتصادية.

“الشيطان الأكبر” على طاولة المفاوضات!

في هذا السياق، يطرح السؤال نفسه بقوة: هل التحول الظاهري في موقف إيران تجاه الولايات المتحدة، من العداء المطلق إلى إمكانية التفاوض، يمثل انقلاباً حقيقياً في العقيدة السياسية للنظام الإيراني، أم أنه مجرد انكسار اضطراري تحت وطأة العقوبات؟

يجيب رئيس وحدة الدراسات الإيرانية في مركز أمية للبحوث والدراسات، الدكتور نبيل العتوم، بأن وصف إيران لأميركا بـ”الشيطان الأكبر” كان جزءاً من العقيدة الثورية، وشعاراً يخدم ما يُسمى بـ  (التعبئة الشعبية)، ومحاولة لإشغال الرأي العام الإيراني وصرف الانتباه عن الأزمات الداخلية.

العتوم: إيران مجبرة على تهدئة التوترات

ويشير إلى أن إيران لم تكن يوماً بعيدة عن التفاوض مع واشنطن، مستشهداً بمحادثات “إيران كونترا” واحتلال الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق في العام 2003، حيث أشار مساعد الرئيس الإيراني الأسبق محمد علي أبطحي إلى أن إيران سهلت سقوط كابل وبغداد. كما يذكر الاتفاق النووي عام 2015 الذي أطلق يد طهران في المنطقة، على حد وصفه.

يرى العتوم أن السياسة الإيرانية تتسم بـ”التكيف البرغماتي” و”المرونة” التي قد تتجلى من خلال المفاوضات الحالية. ويضيف أن الوضع الاقتصادي المتأزم في إيران هو المحرك الأساسي لهذه التحركات الأخيرة، لكنه لا يستبعد وجود ترتيبات إقليمية تجري خلف الكواليس، خاصة في ظل تراجع النفوذ الإيراني في مناطق مثل لبنان وسوريا واليمن والعراق، واستهدافها المباشر من قبل إسرائيل.

هل ثمة صفقة كبرى في الأفق؟

يتكهن بعض المراقبين بأن الانفتاح الإيراني تجاه أميركا قد يتجاوز الملف النووي ليشمل “صفقة كبرى” تتناول قضايا إقليمية وأمنية.

ويؤكد الدكتور العتوم وجود مؤشرات قوية على أن ما يجري يتعدى الملف النووي إلى صفقة شاملة، حيث بدأت الولايات المتحدة تتحدث عن “دمج المسارات” لتفكيك البرنامج النووي الإيراني.

كما يشير إلى وجود تسارع في وتيرة البرنامج النووي الإيراني، حيث تمتلك طهران حالياً أكثر من ثلاثة أطنان من اليورانيوم المخصب وأكثر من 200 ألف جهاز طرد مركزي، جزء منها متقدم من نوع IR-6 و IR-9، أي ما يعادل 41 ضعف الكميات المسموح بها. كما تمتلك كميات كبيرة من اليورانيوم عالي ومنخفض التخصيب. هذا التباين الكبير بين الطروحات الإيرانية والأمريكية يمثل خلافاً بنيوياً قد يعيق التوصل إلى اتفاق.

ويوضح العتوم أن إيران، التي كانت تطرح في الاتفاق السابق مبدأ “رابح رابح” عندما كانت تمتلك أوراق تفاوضية قوية، لم تعد في ذات الموقف اليوم، وبالتالي فإن أي اتفاق قادم لن يكون بالضرورة قائماً على هذا المبدأ من وجهة النظر الإيرانية.

هل الشعب الإيراني مستعد للتطبيع؟

يبقى السؤال حول مدى استعداد الشعب الإيراني لتقبل تطبيع تدريجي مع من كان يُوصف بالأمس بـ “الشيطان الأكبر”.. يجيب الدكتور العتوم بأن:

  • المزاج الشعبي متعطش لتحسين المعيشة، وأن شعار الاحتجاجات الأخيرة كان “الخبز أهم من العقيدة الثورية”.
  • الإيرانيون يعانون من مشاكل غير مسبوقة، حيث تُعرض الأعضاء البشرية للبيع بأسعار زهيدة لتأمين الاحتياجات الأساسية.

ويضيف أن الشباب الإيراني، الذي يمثل 70 بالمئة من السكان، متعطش للحرية والتغيير والعلاقات مع الدول الغربية. ويرى أن حتى وسائل الإعلام المحافظة بدأت تتحدث عن ضرورة فتح حوار مباشر مع الولايات المتحدة لتجنب انهيار النظام الإيراني.

الاقتصاد الإيراني بعد العقوبات.. هل من أمل في النهوض؟

على الصعيد الاقتصادي، يرى الدكتور العتوم أن الأضرار عميقة، لكنها قابلة للإصلاح في نهاية المطاف، نظراً للموارد الضخمة التي تمتلكها إيران:

  • إيران هي الدولة الرابعة عالمياً في احتياطات النفط والثانية في إنتاج الغاز
  • لديها ثروة من المعادن النفيسة وقطاع البتروكيماويات والموارد البشرية المتعلمة.
  • الموقع الجغرافي الاستراتيجي والمساحة الشاسعة والتنوع المناخي.

إلا أنه يشدد على ضرورة إجراء إصلاح هيكلي جذري، ومحاربة الفساد، وتحقيق الشفافية، مشيراً إلى أن العديد من المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم الرئيس، اعترفوا بأن الفساد والفوضى الاقتصادية وهيمنة المؤسسات الموازية التابعة للحرس الثوري على الاقتصاد

أدوات الالتفاف الاقتصادي تتآكل

ويشير إلى أن إيران طورت منظومات تهريب نفطي ومالي معقدة، خاصة مع الصين وأفريقيا، واعتمدت على ما يُعرف بـ”اقتصاد الظل” الذي يقوده الحرس الثوري من خلال سيطرته على قطاعات حيوية.

لكن هذه الأدوات بدأت تتآكل بفعل الضغط الأميركي المتزايد، والرقابة المالية الدولية، وتراجع قدرة الحرس الثوري على المناورة بسبب العقوبات وفعاليتها.

بناء الثقة.. عملية تدريجية وشروط ضرورية

ويرى العتوم أن استعادة الثقة في الأسواق الإيرانية وجذب الاستثمارات ممكن، لكن بحذر.. موضحًا أن:

  • المستثمرون يحتاجون إلى ضمانات قانونية واستقرار سياسي وشفافية مالية. والثقة ستعود تدريجياً وليست فورية.
  • هيمنة الحرس الثوري الإيراني على الاقتصاد ورفض إيران الانضمام إلى المؤسسات الاقتصادية الدولية تشكل عائقاً حقيقياً أمام أي إصلاح حقيقي.
  • الحرس الثوري يسيطر على قطاعات واسعة من الاقتصاد ويعيق دخول الاستثمارات الأجنبية، مفضلاً بقاء الاقتصاد رهناً بـ”دائرة الاقتصاد الأمني” التي يسيطر عليها جناح محدد داخل الحرس.

مصير المفاوضات

في الختام، يشير العتوام إلى وجود عقبات حقيقية، خاصة في ظل الاختلاف البنيوي الكبير بين رؤية البلدين.

ولا يعتقد بأن إيران تسعى لتحسين شروط التفاوض من خلال تصعيد برنامجها النووي، بل يرى أن الحقائق على الأرض تشير إلى مضيها قدماً في عسكرة برنامجها، وتصريحات مسؤوليها حول تغيير العقيدة النووية وإمكانية صنع القنبلة النووية خلال أسابيع تبعث على القلق.

ومن ثم، يبقى المشهد الإيراني الأميركي معلقاً بين براغماتية الضرورة الاقتصادية وطموحات جيوسياسية إقليمية، وبين إرث عقائدي راسخ وتطلعات شعبية.

You may also like