برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة جديدة في أسواق المال تُعرف بـ”أسهم الميم”، وهي نوع من الأسهم التي تكتسب شهرة وانتشاراً واسعين ليس بسبب أدائها المالي أو أساسياتها الاقتصادية، بل بسبب الترويج المكثف لها عبر منصات التواصل الاجتماعي والمجتمعات الرقمية.
يُقبل المستثمرون، وخصوصاً من الأجيال الشابة، على هذه الأسهم مدفوعين بالحماس الجماعي والخوف من ضياع الفرصة، مما يخلق موجات من الشراء والبيع السريع تتسبب في تقلبات حادة بأسعار هذه الأسهم.
تعتمد أسهم الميم على ما يُعرف بـ”التداول الجماعي” المدفوع بالمشاعر، حيث تنتشر التوصيات والترويج عبر تطبيقات مثل Reddit، TikTok، وX (تويتر سابقاً)، وغالباً ما ترتبط بأحاديث شعبية أو حملات إلكترونية تنشر الحماس بين المتابعين، بغض النظر عن القيمة الحقيقية للسهم أو أداء الشركة.
هذا النوع من التداول يُحول الأسواق إلى بيئات شديدة التقلب، ويجعل من الصعب التنبؤ بالسلوك السعري للسهم وفق المعايير التقليدية.
ورغم أن البعض استطاع تحقيق أرباح مفاجئة من خلال الاستثمار في هذه الأسهم، إلا أن الغالبية العظمى من المتداولين يجدون أنفسهم ضحايا لفخ المضاربة والمبالغة، مما يؤدي إلى خسائر فادحة. ومع تصاعد هذه الظاهرة، بدأت تتزايد التحذيرات من الهيئات الرقابية والاقتصاديين بشأن مخاطرها، والدعوة إلى تنظيم أكبر لحماية المستثمرين الأفراد من الدخول في مضاربات غير محسوبة قد تنتهي بخسارة رأس المال بالكامل.
خسائر
- في يوليو الماضي، خسر المستثمرون مليارات الدولارات أثناء المراهنة على عدد قليل من الأسهم الصينية المدرجة في الولايات المتحدة والتي انخفضت قيمتها بعد وقت قصير من الترويج لها بشكل مكثف على وسائل التواصل الاجتماعي.
- انخفضت أسهم سبعة شركات مدرجة في بورصة ناسداك – وهي كونكورد إنترناشونال، وأوستين تكنولوجي، وتوب كينغ وين، وسكاي لاين بيلدرز، وإيفربرايت ديجيتال، وبارك ها بيولوجيكال تكنولوجي، وفيتون هولدينغز – بأكثر من 80 بالمئة خلال بضع جلسات تداول في الأسابيع الأخيرة، بحسب فايننشال تايمز.
- أدت هذه الانخفاضات إلى خسارة إجمالية قدرها 3.7 مليار دولار من قيمتها السوقية، وفقاً لبيانات الأسعار التي حللتها شركة التحليلات التنبؤية “إنفستورلينك”.
- كانت جميع الأسهم السبعة قد شهدت ارتفاعاً حاداً قبل عمليات البيع المفاجئة، بعد أن تم الترويج لها للمستثمرين عبر مجموعات واتساب ومواقع التواصل الاجتماعي .
- ويقول محللون ومستثمرون إن “هذه التحركات تحمل العديد من سمات عمليات الاحتيال بالبيع والشراء.. ولا يوجد ما يشير إلى تورط أي من الشركات المذكورة في تحركات أسعار الأسهم غير العادية”، بحسب التقرير.
- كانت عمليات ضخ الأسهم وعمليات البيع – حيث يقوم الأشخاص ذوو المصلحة الخاصة بتضخيم سعر سهم الشركة بشكل مصطنع قبل بيع ممتلكاتهم فجأة – تؤرق الأسواق الأميركية لعقود من الزمن ولكنها كانت آخر مشكلة كبيرة خلال موجة الصعود في عامي 2020 و2021 ، عندما ارتفعت أسعار العشرات من المجموعات الصينية غير المربحة ثم انهارت بعد فترة وجيزة من إدراجها.
- أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي الشهر الماضي أنه شهد زيادة بنسبة 300 بالمئة على أساس سنوي في شكاوى الضحايا “التي تشير إلى عمليات احتيال في سوق الأسهم”. وأضاف أن المستثمرين يتعرضون للاستهداف على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل أشخاص ينتحلون صفة “شركات وساطة قانونية أو محللي أسهم معروفين”.
- ترتبط العديد من عمليات الاحتيال بعدد قياسي من الشركات الصينية التي طرحت أسهمها للاكتتاب العام في البورصات الأميركية في عام 2024، وهو الاتجاه الذي استمر هذا العام مع هيمنة الشركات التي تتخذ من الصين وهونغ كونغ مقراً لها على سوق الاكتتاب العام الأولي للشركات الصغيرة في الولايات المتحدة والتي كانت نائمة في العادة.
عوامل نفسية
يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن المستثمرين ينساقون خلف أسهم الميم رغم تزايد عمليات الاحتيال، نتيجة اجتماع عوامل نفسية واجتماعية واقتصادية صنعت هذه الظاهرة، من بينها الخوف من ضياع الفرص، وبالتالي يندفع كثير من المستثمرين نحو الأسهم التي تحقق ارتفاعات سريعة بدافع الحماس الجماهيري على وسائل التواصل الاجتماعي، من دون دراسة أساسية أو تحليل معمق.
ويضيف: طبيعة أسهم الميم نفسها تجعلها عرضة لتقلبات سعرية عنيفة غير مبنية على أداء مالي حقيقي، إذ تتحول إلى محل تداول جنوني مدعوم من مجتمعات إلكترونية نشطة مثل تلك التي على “ريديت” و”تيك توك” و”تويتر (إكس)”، وهو ما يخلق ما يُعرف بـ تأثير القطيع.
- ويشير سعيد إلى أن سهولة الوصول إلى منصات التداول بدون عمولات عبر تطبيقات سهلة الاستخدام، شجعت جيلاً جديداً من المستثمرين الهواة على دخول السوق بدوافع المغامرة والترفيه المالي أكثر من البحث عن استثمار حكيم قائم على أسس قوية.
كما يلفت إلى أنه:
- رغم وجود عمليات احتيال وتخريب، إلا أن قصص النجاح السريعة والارتفاعات المفاجئة للأسهم تغري الكثيرين بالمراهنة على أرباح خاطفة، متجاهلين المخاطر الكبيرة، وهو ما يعزز السلوك الاستثماري غير العقلاني.
- التداول الجماعي يولد تأثيراً نفسياً قوياً يحرك الأسعار بعيداً عن قيمها الحقيقية، ليخلق ما يشبه “الهرم الجماعي”، حيث تعتمد تحركات السوق على المحتوى الاجتماعي أكثر من القيم المالية التقليدية.
ويختتم حديثه قائلاً: جاذبية أسهم الميم رغم خطورتها تعود إلى التفاعل بين الحماس الاجتماعي والخوف من الفقد وسهولة التداول، إضافة إلى غياب القدرة على التمييز بين المضاربة السريعة والتحليل العميق، مما يجعل البيئة الرقمية مناخا خصبا لهذا النوع من المضاربات قصيرة المدى التي قد تحقق نجاحات مؤقتة، لكنها في النهاية تؤدي إلى خسائر فادحة على المدى الطويل.
منصات التواصل في المواجهة
في مواجهة هذا التزايد الكبير لأسهم الميم، بدأت منصات التواصل الاجتماعي تتعرض لضغوط متزايدة لمواجهة عمليات الاحتيال والتلاعب الذي يتم الترويج له عبر منصاتها. فبينما تسهم هذه الشبكات في تسريع انتشار الأخبار والمعلومات، أصبح من الواضح أنها أيضاً ساحة خصبة للتحايل على المستثمرين، حيث يتم استخدام مجموعات واتساب أو منشورات مزيفة لجذب الأفراد إلى المضاربات العشوائية.
تجد منصات مثل ميتا نفسها في موقف حرج؛ إذ عليها أن توازن بين حرية التعبير والحد من المخاطر التي تهدد سلامة المستثمرين.
في هذا السياق، تقول نوشين ميرشوكراي، التي تدير شركة أغذية ومشروبات في إيطاليا، إنها خسرت 70 ألف دولار بعد إقناعها عبر مجموعة على واتساب بشراء أسهم في شركة أوستن قبل شراكة كان من المفترض أن تدخلها الشركة مع شركة كبيرة مدرجة في الولايات المتحدة.
وتضيف: “جميع المعلومات التي وصلتنا عبر مجموعات واتساب كانت من مشاركين وهميين. الأشخاص الحقيقيون الوحيدون فيها هم من يتم التلاعب بهم”، وفق تقرير الصحيفة البريطانية.
وقال متحدث باسم شركة ميتا: “نحن لا نريد هذا النوع من المحتوى على منصاتنا، ولهذا السبب نواصل الاستثمار في التكنولوجيا لفرض إجراءات صارمة ضد عمليات الاحتيال؛ وتزويد الأشخاص بالتحذيرات والأدوات على المنصة لحماية أنفسهم؛ والشراكة مع البنوك والحكومات وأجهزة إنفاذ القانون لوقف هؤلاء المجرمين”.
تزايد ملحوظ
يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركةCedra Markets ، جو يرق، في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- “منذ جائحة كورونا، شهدنا تزايداً ملحوظاً في ظاهرة أسهم الميمز، إذ ارتفعت قيمتها بشكل هائل خلال فترة قصيرة، لكنها سرعان ما انهارت واختفت فعاليتها بالكامل”.
- الأسباب وراء هذه الظاهرة متعددة؛ أبرزها ما يعرف بخوف تفويت الفرصة، إذ يندفع المستثمرون الأفراد، خصوصاً الصغار منهم، إلى شراء هذه الأسهم لمجرد مشاهدتهم ارتفاعها السريع، خوفاً من ضياع الفرصة.
- مجموعات تنشط على منصات التداول ووسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً في تعزيز هذه الظاهرة، عبر تبادل إشارات وتشجيع الآخرين على دخول بعض الأسهم الصغيرة.
- رغم أن بعض المستثمرين حققوا أرباحاً استثنائية في حالات محدودة، إلا أن الغالبية تعرضت لخسائر كبيرة.
ويضيف: “هذه الاستثمارات غالباً ما تفتقر إلى الضوابط والشروط الواضحة، مما يجعل الدخول إليها سهلاً ويغري المستثمرين الشباب، وهو ما يحول الأمر إلى نوع من المقامرة أكثر منه استثماراً حقيقياً.. فقد أثبتت التجربة أن النهاية تكون في معظم الأحيان خسارة الأموال وتبخرها”.
ويستطرد: “من هنا، تبرز الحاجة إلى دور أكبر للهيئات الرقابية عبر تحديث الضوابط وتنظيم هذه الممارسات، خاصة أن الفئة الأكثر انخراطاً في هذه الموجات هي المستثمرون الأفراد صغار الحجم، بل وأيضاً صغار السن، الذين يفتقرون غالبًا إلى الخبرة الكافية لإدارة المخاطر”.