الرئيسية » أسعار النحاس تحت ضغط سياسات ترامب

أسعار النحاس تحت ضغط سياسات ترامب

by ekram

تُعيد سياسات الرسوم الجمركية التي يتبناها الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسم ملامح التجارة العالمية، عبر نهج يربط بين الاقتصاد والأمن القومي، ويستند إلى فكرة إعادة تموضع الصناعات الاستراتيجية داخل الولايات المتحدة.

فمنذ عودته إلى البيت الأبيض، عاد ترامب لتوظيف الرسوم الجمركية كأداة ضغط ومساومة على الساحة الدولية، ساعياً إلى كبح الاعتماد على الخارج وتحفيز الإنتاج المحلي، ولو على حساب ارتفاع الكلفة داخلياً واضطراب الأسواق العالمية.

“النحاس” أحد أبرز الأمثلة التي تُجسّد هذا التوجه؛ فبإعلانه المفاجئ عن فرض رسوم جمركية بنسبة 50 بالمئة على واردات النحاس، فتح الرئيس الأميركي جبهة جديدة في معركة الحمائية التجارية، مستهدفاً معدناً يُعد ثالث أكثر المعادن استهلاكًا بعد الحديد والألمنيوم، ويمثل عصباً حيوياً في قطاعات الصناعة والتكنولوجيا والطاقة النظيفة.

القرار الذي بُرّر بأسباب تتعلق بالأمن القومي، تسبب فورًا في قفزة غير مسبوقة بأسعار النحاس، وخلق حالة من الترقب في الأسواق، وسط تحذيرات من ارتفاع حاد في تكاليف الإنتاج الأميركي، خاصة في الصناعات المعتمدة على النحاس كمكون رئيسي

وبينما رأى مؤيدو القرار أنه سيُحفز التنقيب والتكرير داخل الولايات المتحدة ويُعيد التوازن لسوق المعادن، حذّر خبراء من أن هذا التوجه قد يُعمّق الفجوة بين العرض والطلب، ويُطلق موجات تضخم قد تطال المستهلك الأميركي أولاً.

أحدث التطورات

  • الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن، الثلاثاء 8 يوليو، عن أنه سوف يفرض رسوماً جمركية بنسبة 50 بالمئة على واردات النحاس، وذلك خلال اجتماع وزاري في البيت الأبيض. وفي اليوم التالي حدد الأول من أغسطس موعدا لبدء سريان هذه الرسوم، وكتب عبر “تروث سوشيال” إن القرار اتخذ بعد أن تلقى تقييما للأمن القومي.
  • بعد إعلان ترامب المفاجئ مباشرة، قفزت أسعار النحاس إلى مستوى قياسي. وأنهت تداولات اليوم نفسه على ارتفاع بنسبة 13.12 بالمئة، مسجلة أفضل مكسب يومي منذ عام 1989.
  • في غضون ذلك، ارتفعت أسهم شركة تعدين النحاس Freeport-McMoRan بنسبة 5 بالمئة، إذ يتوقع المستثمرون استفادة المنتجين المحليين من الرسوم الجمركية.

ويُعد النحاس ثالث أكثر المعادن استهلاكاً، بعد الحديد والألمنيوم. وتستورد الولايات المتحدة ما يقرب من نصف استهلاكها من النحاس، ويأتي معظمه من تشيلي، وفقاً لبيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.

وفي أواخر فبراير الماضي كان ترامب قد أمر بإجراء تحقيق في فرض رسوم جمركية جديدة محتملة على واردات النحاس لأسباب تتعلق بالأمن القومي.

وقال وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك، طبقاً للتصريحات التي نقلتها شبكة “سي إن بي سي” الأميركية، الثلاثاء، إن التحقيق قد انتهى بالفعل، مضيفاً: “الهدف هو جلب النحاس إلى الولايات المتحدة”.

وأشار إلى أن خطوة ترامب ستجعل رسوم النحاس متماشية مع الرسوم الأميركية على واردات الصلب والألمنيوم ، والتي ضاعفها ترامب إلى 50 بالمئة في أوائل يونيو.

ووفق لوتنيك، فإنه يتوقع أن يوقع ترامب قريبا على إعلان من شأنه أن يفرض تعريفة النحاس بحلول نهاية يوليو.

التداعيات المحتملة

من جانبه، يقول الرئيس التنفيذى لمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:

  • الرئيس ترامب أعلن عن تعرفة جمركية مخططة بنسبة 50 بالمئة على واردات النحاس، متعللاً بحماية الأمن القومي الأميركي.
  • فاجأ هذا القرار الأسواق.. وارتفعت عقود النحاس الآجلة الأميركية في بورصة كومكس في يوم واحد إلى أعلى سعر لها على الإطلاق.
  • التجار والمصنّعون الأميركيون يسارعون إلى شراء وتخزين النحاس قبل بدء تطبيق التعريفة الجمركية المتوقع في 1 أغسطس؛ مما أدى إلى تكثيف الطلب ودفع الأسعار إلى الارتفاع.
  • قفزة الأسعار هذه المرة نجمت عن صدمة في السياسة التجارية، وليس عن الطلب الأساسي.

ويتحدث الرفاعي عن عواقب ارتفاع أسعار النحاس إلى مستويات قياسية، مشيراً إلى أن المصنعين الأميركيين يواجهون تكاليف أعلى، إذ ستتعرض صناعات مثل المعدات الكهربائية والسيارات والبناء والطاقة النظيفة لزيادات حادة في تكاليف المدخلات، والتي من المرجح أن تنتقل إلى المستهلكين، مما يُفاقم التضخم.

كما يُبرز “تحولات التجارة والشحن العالمية” ارتباطاً بذلك، لجهة أن الموردين يعيدون توجيه صادراتهم من الولايات المتحدة إلى أسواق أخرى (مثل الصين وأوروبا)، مما يُفاقم تشوهات الأسعار ويُغير أرصدة المخزونات.

ويعتقد الرفاعي بأن “فجوة أسعار بورصتي كومكس ولندن للمعادن تؤدي إلى مراجحة محمومة قصيرة الأجل وتحولات مفاجئة، مما يُضيف تقلبات مزمنة”.

ويستطرد: “يحذر الاقتصاديون من أن ارتفاع تكاليف النحاس قد يُسهم في تضخم أوسع، مما يؤثر على أسعار البناء والنقل والتكنولوجيا”، بينما يُجادل ترامب بأن الرسوم الجمركية ستُحفز التعدين والصهر في الولايات المتحدة،  حيث يتم تسريع مناجم أريزونا التابعة لشركة BHP/Rio. ومع ذلك، لا تزال قدرة المعالجة الأمريكية محدودة.

لحظة حاسمة لسوق النحاس

ونقل تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية عن محللي سيتي غروب، قولهم: ” نعتقد بأن هذه لحظة فاصلة لسوق النحاس في العام 2025، ذلك أنه من المفترض أن يؤدي تطبيق التعريفات الجمركية الوشيك إلى إغلاق النافذة فجأة أمام المزيد من شحنات النحاس الكبيرة المتجهة إلى الولايات المتحدة – ربما لبقية عام 2025″.

كما نقل التقرير عن كبير استراتيجيي السلع الأساسية في بنك ANZ، دانييل هاينز، قوله في مذكرة، إن الأسعار في نيويورك قفزت إلى علاوة “غير مسبوقة” بلغت 25 بالمئة فوق العقود الآجلة في بورصة لندن للمعادن.

وتُعد تشيلي أكبر مورد للنحاس المكرر إلى الولايات المتحدة، حيث تمثل نحو 70 بالمئة من الواردات بالدولار – تليها كندا وبيرو، وفقاً لأرقام الجمارك التي جمعتها شركة Trade Data Monitor.

وحذرت رئيسة جماعة الضغط الصناعية في تشيلي، روزاريو نافارو، من أن الرسوم الجمركية التي تصل إلى 50 بالمئة قد تتسبب في “تدهور كبير” في الظروف التجارية للبلاد.

وقال رئيس جمعية التعدين في كندا، بيير جراتون، إن البنية التحتية للطاقة، مثل أنابيب النحاس، والتي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، تم شحنها إلى الولايات المتحدة كجزء من صناعة متكاملة في أميركا الشمالية. وأضاف أن الولايات المتحدة لا تملك ما يكفي من القدرة على تكرير النحاس أو مصاهر النحاس وتعتمد على الواردات الكندية من المعدن، مضيفا أن مثل هذه المعدلات الجمركية المرتفعة من شأنها “أن تضر بالصناعة الأميركية”.

رسوم ترامب

استاذة الاقتصاد والطاقة، الدكتورة وفاء علي، تقول لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:

  • لا شك أن السياق الزمني للأحداث الاقتصادية دفع بتبعات الرسوم الجمركية إلى الواجهة مرة أخرى.
  • مع السيطرة والهيمنة الصينية على سوق المعادن ستدفع مصاهر النحاس فى الولايات المتحدة الأميركية مبالغ قياسية نتيجة توسع الصين فى الإنتاج.
  • تحمل سياسات ترامب للعالم متغيرات واسعة، خصوصاً مع إعلان الرئيس الأميركي عن نيته فرض رسوم بنسبة 50 بالمئة على واردات أميركا من النحاس مما قفز بأسعار المعدن مرة أخرى إلى مستويات قياسية.
  • النحاس من أكثر المعادن الهامة التى تمثل سوقاً استهلاكية بعد معدن الحديد والألمنيوم.

وتضيف: ينظر ترامب إلى هذا الملف باعتباره جزء من الأمن القومي الأميركى أو إعادة هيبة التصنيع إلى أميركا.. ويرى الرئيس الأميركي أن هذه الخطوة ستجلب صناعة النحاس إلى الداخل الأميركى ويحدث توازن بين الرسوم وقيمة المعدن.

لكنها تستطرد: “لا شك أن هذه الرسوم ستؤثر على صناعات دفاعية وصناعة الخلايا الشمسية وقطاع الصناعات الكهربائية والتكنولوجيا والسيارات  الطاقة والاتصالات”، موضحة أن ترامب يظل يتربص بالأسواق العالمية مما يمثل ضغوطاً تنعكس بشدة على الداخل الأميركى ويربك التموضع الصناعى الجديد بالعالم.

You may also like