بينما تتصاعد التحديات أمام الاقتصاد الأميركي، جاء اجتماع مجلس الاحتياطي الأميركي أمس الأربعاء ليؤكد بوضوح أن الفيدرالي يتحرك بحذر، رافضاً التسرع في اتخاذ قرارات قد تعيد إشعال الضغوط التضخمية أو تعمق تباطؤ الاقتصاد.
جاءت تصريحات رئيس الفيدرالي جيروم باول لتعكس طبيعة المعضلة التي تواجهها المؤسسة النقدية الأكثر تأثيراً في العالم، مع إشارات متكررة إلى أن مسار السياسة النقدية في الأشهر المقبلة سيظل رهينًا للبيانات الاقتصادية وتطوراتها.
- أبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة عند النطاق المستهدف بين 4.25 و4.5 بالمئة في ختام اجتماعه في مايو.
- لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، المسؤولة عن وضع السياسات، أشارت إلى “ارتفاع مخاطر ارتفاع البطالة والتضخم”.
- رفض رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أي فكرة لخفض أسعار الفائدة استباقياً، إذ لا يزال التضخم أعلى من المستهدف.
- قال باول: “الوضع لا يسمح لنا باتخاذ إجراءات استباقية، لأننا في الواقع لا نعرف ما هي الاستجابة الصحيحة للبيانات حتى نرى المزيد منها”.
يشير تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية، إلى أن البنك المركزي يسير على خط رفيع؛ فهو يواجه حالة من عدم اليقين بشأن التعرفات الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب والاقتصاد الذي يظهر بعض علامات المرونة، على سبيل المثال رواتب شهر أبريل، فضلاً عن عوامل الضعف مثل أحدث تقرير عن الناتج المحلي الإجمالي.
وظل بنك الاحتياطي الفيدرالي متوقفا عن رفع أسعار الفائدة منذ آخر خفض لها في ديسمبر، في انتظار تقييم تأثير الرسوم الجمركية.
وقال باول:
- “أعتقد بأن هناك الكثير مما لا نعرفه، ونحن في وضع جيد للانتظار والترقب، هذا هو المهم.. لسنا بحاجة إلى التسرع”.
- “لقد تمتع الاقتصاد بالمرونة، وهو في وضع جيد نسبياً.. سياستنا في وضع جيد.. تكاليف الانتظار لرؤية المزيد منخفضة نسبياً”.
- “لا أستطيع التنبؤ بالمدة التي سيستغرقها الأمر، ولكن في الوقت الحالي، يبدو أن القرار واضح تمامًا بالنسبة لنا للانتظار والترقب والترقب”.
واعتبر أن المفاوضات الأميركية مع شركاء تجاريين رئيسيين قد يكون لها تأثير مادي على التوقعات الاقتصادية، بعد أن فرض ترامب رسوما جمركية أعلى من المتوقع فاجأت حتى مجلس الاحتياطي الفيدرالي. وقال: “يبدو أننا ندخل مرحلة جديدة، حيث بدأت الإدارة محادثات مع عدد من شركائنا التجاريين المهمين، وهذا قد يُغير الوضع جذريًا – أو لا يُغيره.. سيكون من المهم جدًا معرفة كيف ستسير الأمور”.
الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب في الثاني من أبريل كانت “أكبر بكثير من المتوقع في التوقعات التي رأيتها وفي توقعاتنا”.
البيانات الرئيسية
بدوره، يقول الرئيس التنفيذي لشركة “VI Markets”، طلال العجمي، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- الفيدرالي اليوم حريص على عدم تكرار خطأ العام 2023، حين قام برفع الفائدة دون وجود ضرورة واضحة، كما أنه لا يريد التسرع في خفضها وبالتالي يتسبب في عودة التضخم للارتفاع.
- لهذا السبب، تركيزه ينصب حالياً على البيانات الاقتصادية القادمة، لا سيما على معدل التضخم الشهري، خاصة مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، ومؤشر أسعار المستهلكين.
- في حال تراجع التضخم إلى ما دون 2.3 بالمئة واستقر عند هذا المستوى، سيملك الفيدرالي مبررًا قويًا لبدء خفض الفائدة.
- كذلك، أي تباطؤ حاد في سوق العمل أو ارتفاع في معدلات البطالة فوق 4.5 بالمئة قد يشكل ضغطًا إضافيًا لاتخاذ هذا القرار.
- أما على صعيد النمو الاقتصادي، فإذا استمر الانكماش أو بات النمو ضعيفًا، فإن الضغوط السياسية والاقتصادية ستتزايد على الفيدرالي لتخفيف سياسته النقدية.
ويضيف: أما فيما يتعلق بالرسوم الجمركية التي أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فقد أثرت بشكل مباشر على بيانات الربع الأول من العام، من خلال رفع الواردات بشكل مصطنع. وإذا ما تم تطبيق هذه الرسوم فعليًا في الفترة المقبلة، فستؤدي إلى رفع الأسعار على المستهلك، مما يضع الفيدرالي أمام موقف معقد: هل يرفع الفائدة لمعالجة التضخم الناتج عن هذه الرسوم؟ أم يتجاهل ذلك ويعتبره تضخمًا مؤقتًا، ويواصل التركيز على التباطؤ الاقتصادي؟
وفي تقديره، فإن السيناريو الأقرب حال إذا ما انخفض التضخم وظهرت مؤشرات على تباطؤ في سوق العمل، فيتوقع نشهد أول خفض للفائدة في اجتماع سبتمبر المقبل. ومع ذلك، فإن تنفيذ الرسوم الجمركية قد يؤخر هذه الخطوة أو يؤثر على قرار الفيدرالي بشكل كبير.
ويستطرد: “يمكن القول إن الفيدرالي يسير اليوم بين نارَي التضخم والنمو، وكل اجتماع له يعتمد كليًا على البيانات التي تسبقه، لذلك لا يمكن حسم المسار، ولكننا نترقب ونراقب عن كثب”.
وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الأربعاء، إن دعوة الرئيس دونالد ترامب لمجلس الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة ليس لها أي تأثير “على الإطلاق” على عمل لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية أو الطريقة التي تقوم بها بذلك.
وأضاف: “سنواصل العمل بنفس النهج، وهو استخدام أدواتنا لتعزيز أقصى قدر من التوظيف واستقرار الأسعار بما يخدم مصلحة الشعب الأمريكي. سنركز فقط على البيانات الاقتصادية، والتوقعات، وموازنة المخاطر، وهذا كل ما سنأخذه في الاعتبار”.
التضخم وسوق العمل
من جانبه، يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن:
مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يراقب عن كثب مجموعة من المؤشرات الاقتصادية الأساسية عند اتخاذ قراراته بشأن السياسة النقدية.
- “أول هذه المؤشرات هو معدل التضخم، حيث لا يزال الفيدرالي غير مطمئن بشكل كامل إلى أن الأسعار بدأت تتراجع بشكل مستدام نحو المستوى المستهدف البالغ حوالي 2 بالمئة.
- أي بيانات جديدة تُظهر عودة التضخم للارتفاع قد تدفع الفيدرالي إلى تبني موقف أكثر تحفظًا وتأجيل أي خطوات محتملة لخفض أسعار الفائدة.
- “سوق العمل تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية، فطالما استمر خلق الوظائف بمعدلات مرتفعة وظلت البطالة منخفضة، فإن الفيدرالي يجد مساحة للتريث وعدم التعجل في خفض الفائدة. أما في حال ظهور إشارات على ضعف سوق العمل أو ارتفاع ملحوظ في معدلات البطالة، فقد يعيد الفيدرالي النظر ويتجه نحو خفض الفائدة لتحفيز الاقتصاد”.
ويشير إلى أن “الفيدرالي يأخذ بعين الاعتبار أيضاً مؤشرات اقتصادية أخرى مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي، ومبيعات التجزئة، وثقة المستهلك، حيث أن أي تباطؤ في هذه المؤشرات قد يدعم الميل نحو تيسير السياسة النقدية”.
ويتطرق سعيد إلى ملف الرسوم الجمركية، معتبراً إياه “عنصراً قد يعقد الصورة أمام الفيدرالي”، موضحًا أنه “في حال فرضت الحكومة الأميركية رسومًا جمركية جديدة على بعض السلع، فإن ذلك قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وبالتالي زيادة التضخم، ما يضع الفيدرالي أمام خيار صعب: هل يرفع الفائدة للحد من التضخم الناتج عن هذه الرسوم، أم ينتظر ليرى أثرها على النمو وسوق العمل؟”.
ويلفت إلى أن “جيروم باول، رئيس الفيدرالي، أكد في أكثر من مناسبة أن المجلس سيراقب تأثير الرسوم الجمركية بعناية، خاصة أن تأثيرها قد يكون مؤقتًا أو قد يسهم في موجة تضخم ممتدة تضر بالاقتصاد على المدى الطويل”.
ويردف قائلاً: “أتوقع أن يتسم موقف الفيدرالي في الاجتماعات المقبلة بالحذر الشديد، حيث لن يتحرك إلا بعد التأكد من أن البيانات الاقتصادية تسير في الاتجاه المطلوب. وإذا ظل التضخم مرتفعاً، فقد نشهد تثبيتًا لأسعار الفائدة لفترة أطول من المتوقع، أما إذا ظهرت مؤشرات ضعف في الاقتصاد وسوق العمل مع استمرار تباطؤ التضخم، فقد يتجه الفيدرالي إلى خفض تدريجي للفائدة. لكن في النهاية، كل هذه السيناريوهات تظل رهينة بالتطورات والبيانات الاقتصادية في الفترة المقبلة”.
ونقل تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” عن محافظ سابق في بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيريمي شتاين (الذي يعمل حالياً في جامعة هارفارد) عن الخيارات المستقبلية للفيدرالي، قوله: “سيكون الأمر صعباً للغاية عليهم”. وتوقع ألا يجتاز الاحتياطي الفيدرالي العام دون ارتفاع حاد في التضخم أو تباطؤ ملحوظ.
ويشير التقرير إلى أنه في هذه الأثناء، لا يزال مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذين ما زالوا يشعرون بالندم بسبب التحرك المتأخر لمعالجة التضخم المرتفع الناتج عن الوباء قبل بضع سنوات، يخشون أن التحرك بسرعة كبيرة لخفض أسعار الفائدة الآن سيكون خطأ بينما يظل التضخم أعلى من هدف البنك المركزي البالغ 2 بالمئة.