أيام قليلة تفصل هواة رياضة الصيد بالصقور سواء من دول الخليج العربي أو غيرها من دول العالم عن انطلاق موسم صيد الصقور في قطر، الذي ينطلق في أكتوبر ويستمر حتى فبراير من كل عام، حيث يستقطب أعدادا كبيرة من السائحين عشاق هذه الرياضة التراثية داخل وخارج قطر، في إطار منظومة متكاملة من القواعد التي تضمن إشباع هواية عشاق الصقور، مع الالتزام بكل قواعد حماية البيئة والأنواع المعرضة للانقراض، خاصة مع انضمام دولة قطر لعضويّة اتفاقيّة التّجارة الدّوليّة الّتي تهتمّ بأنواع الحيوانات والنّباتات البرّيّة (سايتس) المهدّدة بالانقراض في أغسطس 2001.
ويعتبر موسم صيد الصقور حدثا سنويا مهما على خريطة السياحة القطرية حيث يتيح للزوار الاستمتاع بتجربة صيد الصقور أو مشاهدتها عن قرب، واكتشاف جوانب شديدة الأهمية والإثارة في الثقافة الشعبية القطرية التي يعتبر الصقر أحد الرموز الرئيسية للتراث والتاريخ القطري، نظرا لكونه تقليدا ذو أصول تاريخية عميقة في الثقافة الخليجية والحرص على أن يتم توريثه من جيل الى جيل حيث يمتزج التاريخ بالحاضر ليخلق تجربة فريدة تعبر عن عمق الروابط بين الإنسان والطبيعة.
يبدأ التحضير لموسم صيد الصقور في أغسطس من كلّ عام، عبر استيراد أنواع مختلفة من الصّقور العالميّة، وأكثر الدّول الّتي تستورد منها قطر الصّقور الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وبريطانيا، وإسبانيا، وإيران، وباكستان، وسوريا، ومصر، وأفغانستان.
وقبل انطلاق “موسم صيد الصقور” تستضيف العاصمة القطرية الدوحة النّسخة الثّامنة من معرض كتارا الدّوليّ للصّيد والصّقور (سهيل 2024) التي انطلقت أمس وتستمر حتى 14 سبتمبر الحالي بمشاركة مجموعة واسعة من الشّركات المحليّة والإقليميّة والدّوليّة المتخصّصة في أسلحة الصّيد ومستلزماته، والرّحلات والصّقور، فضلًا عن مشاركة عدد من الوزارات والهيئات والجهات الرّسميّة الّتي تقدّم تسهيلات وخدمات متميّزة ونوعيّة.
واطلقت اللّجنة المنظّمة للمعرض عليه اسم ”سهيل“منذ نسخته الأولى الّتي دشّنت عام 2017، بسبب ارتباط ظهور النجم سهيل ببداية لموسم المقناص ودخول فصل الشّتاء وانطلاق الرّحلات البرّيّة والصّيد.
ويعدّ معرض “سهيل 2024” واحدا من أكبر المعارض الدولية للصّقور، وهو أحد الأنشطة السّنويّة الّتي ينظّمها الحي الثّقافيّ (كتارا)، ويهدف إلى إحياء التّراث والموروث الشّعبيّ، وإثراء المشهد الثّقافيّ والسياحي المحلّيّ والإقليميّ، والحفاظ على نشاط صيد الصّقور.
ويشهد المعرض مزادا لبيع الصّقور، إلى جانب إقامة جناح للحرف اليدويّة الخاصّة بالصّيد ولوازم الطّير، فضلًا عن لوازم الصّيد وأسلحته الّتي يحتاجها المحترفون والهواة، ولوازم الرّحلات البرّيّة وتجهيز سيّارات المقناص.
وإلى جانب معرض “سهيل” تشهد قطر مهرجانا سنويا آخر للصيد والصقور باسم مهرجان قطر الدولي للصقور.
وحتى تكتمل منظومة خدمات عشاق “صيد الصقور” يوجد في سوق واقف قسم لبيع وشراء الطّيور بما في ذلك الصّقور، ويعدّ هذا السّوق قبلة كثيرين من محبي اقتناء الطّيور عامّة والصّقور خاصة، بين الهواة والمبتدئين.
ويوفّر التّجار للهواة جميع الأنواع الّتي يرغبون في اقتنائها، بما في ذلك صقور التّفريخ (إنتاج المزارع)، أو الصقور البرية من فصائل مختلفة مثل الشّاهين، الجير شاهين، القرشومة، الحر، وغيرها، فضلًا عن مستلزمات الصّقور مثل البراقع، السبوق، المرسل، الدسوس والأشياء الأخرى الّتي تُصنّع محليّا بما يحقّق الاكتفاء الذّاتيّ.
وتلتزم تجارة الصقور ومستلزمات تربيتها وتدريبها والصيد في قطر بالقواعد القانونية التي تمنع التّجارة غير الشّرعيّة للصّقور.
كما تضم السوق القطرية الشهيرة مستشفى سوق واقف للصّقور، ويتكون من أربعة طوابق، يوقدّم خدمات عالميّة متنوّعة لمقتنيي الصقور منها إجراء العمليّات الجراحيّة للصّقور مثل عمليّات علاج الكسور والأنسجة الرّخوة، كما يضم المستشفى مختبرا للأنسجة وآخر للأدوية وعلاج السّموم، وقسم لتدريب الصّقارة الجدد.
ويعدّ فحص الأشعّة من الإجراءات المعتادة في مستشفى الصّقور، إذ يكشف أي إصابات في الجهاز العظميّ للطائر سواء كانت كسور أو رضوض وغير ذلك من مشاكل العظام والمفاصل، فضلًا عن تشخيص أيّ إصابة داخلية مثل إصابة المعدة أو الكبد أو الطّحال، كما أن عملية المنظار الاستكشافي للجهازيْن الهضميّ والتّنفّسيّ من بين الفحوصات الطبيّة المهمّة لفحص الصّقور.
في محيط المستشفى توجد مجموعة من الفنادق الاقتصاديّة الّتي يرتادها عملاء المستشفى من الدّول الخليجيّة بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى الصّقارة من أنحاء العالم الّذين يستفيدون من الخدمات المميّزة لمستشفى الصّقور في سوق واقف. كما يلجأ العملاء إلى مستشفى سوق واقف لإجراء فحص شامل قبل بيع أو شراء الصّقور، أو الطّيور الّتي أكملت موسم الصّيد والتّدريب.
كما تستضيف الدوحة منذ 2014 مؤتمر قطر الدولي لبيطرة الصقور بمشاركة أطباء وعلماء في مجال صحة الطيور الجارحة والصقور بشكل خاص من جميع أنحاء العالم وهو مؤتمر فريد من نوعه.
في الوقت نفسه تذخر خريطة السياحة والترفيه في قطر بمجموعة كبيرة من الفعاليات التي تلبي مختلف احتياجات السائحين طوال موسم صيد الصقور الممتد لخمسة أشهر تقريبا.
ولعشاق السباقات الرياضية وسباقات الفورمولا1، يمكنهم مشاهد نجومهم المفضلين في سباقات الفورمولا 1 وهم يتنافسون للوصول إلى منصة التتويج في حلبة لوسيل الدولية المذهلة، حيث تقام السباقات في عطلة نهاية الأسبوع من 29 نوفمبر إلى 1 ديسمبر 2024.
أخيرا فإن قطر توفر لعشاق رياضة الصيد بالصقور الذين يتوافدون عليها من مختلف دول العالم، مجموعة متكاملة من الخدمات السياحية والترفيهية بحيث تتجاوز رحلة هؤلاء السائحين مجرد الاستمتاع بممارسة رياضة الصيد بالصقور لتشمل مجموعة أوسع وأكثر تنوعا من الأنشطة والتجارب السياحية والترفيهية، على الفعاليات المتنوعة والمنشآت السياحية الكثيرة.