قال صندوق النقد الدولي إن اقتصاد قطر أظهر إشارات تعافٍ تدريجي بعد التباطؤ الذي شهدته البلاد عقب نهائيات كأس العالم 2022، ومن المتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الأمد القريب إلى 2 في المائة. كما أشار إلى أن التوقعات في الأمد المتوسط أكثر تفاؤلاً، بدعم من التوسع الكبير في إنتاج الغاز الطبيعي المسال والإصلاحات الهيكلية الطموح.
نمو الناتج المحلي الإجمالي
وفي بيان صادر بعد اختتام بعثته الخاصة بمشاورات المادة الرابعة في قطر، والتي ترأستها ران بي خلال الفترة من 10 إلى 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، ذكر الصندوق أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي تراجع من 4.2 في المائة في 2022 إلى 1.2 في المائة في 2023، وذلك نتيجة لانكماش الأنشطة الإنشائية وتباطؤ نمو قطاع الخدمات بعد دورة كأس العالم 2022. ومع ذلك، شهدت السياحة انتعاشاً ملحوظاً منذ ذلك الحين.
وتشير المؤشرات الاقتصادية الحديثة وتطورات سوق العمل إلى تعزيز تدريجي للنمو في عام 2024. ومن المتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال الفترة 2024-2025 إلى 2 في المائة، مدعوماً بالاستثمار العام، والآثار الإيجابية الناجمة عن مشروع توسعة إنتاج الغاز الطبيعي المسال الجاري، بالإضافة إلى الانتعاش القوي في قطاع السياحة. ووفقاً للصندوق، فإن التوقعات على المدى المتوسط تبدو أكثر تفاؤلاً، مع توقعات بنمو سنوي متوسط يبلغ نحو 4.75 في المائة، مستفيداً من التوسع الكبير في إنتاج الغاز الطبيعي المسال وتنفيذ إصلاحات استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة.
التضخم والتوقعات المالية
وعقب تشديد السياسة النقدية في وقت سابق، من المتوقع أن يتراجع التضخم العام إلى 1 في المائة في عام 2024، مع اقترابه تدريجياً من 2 في المائة بالمستقبل. كما يُتوقع أن تبقى الحسابات المالية والجارية في فائض على المدى المتوسط، في حين تظل المخاطر المتعلقة بالتوقعات متوازنة بشكل عام.
وأضاف البيان: «بينما تم تخصيص جزء من الحيز المالي لدعم الاقتصاد الذي شهد تباطؤاً في عام 2023، ظل الموقف المالي متسقاً مع المستوى الذي يضمن العدالة بين الأجيال. ومن المتوقع أن يستمر الانضباط المالي في عام 2024، مع توقع وضع خطط إنفاق حكومية حكيمة في إطار موازنة 2025 المقبلة. ويعد تمديد الموازنة متوسطة الأجل لتغطية فترة 5 سنوات والتقدم المحرز في تنفيذ الموازنة القائمة على البرامج خطوة إيجابية تستحق الإشادة».
تنويع الإيرادات وتعزيز كفاءة الإنفاق
وأشار إلى أن التوقعات الاقتصادية المتفائلة توفر فرصة لتسريع عملية تنويع الإيرادات، خصوصاً من خلال إدخال ضريبة القيمة المضافة، وتعزيز كفاءة الإنفاق، ومواءمة أسعار الطاقة المحلية مع أسعار الصادرات تدريجياً، إضافة إلى إعادة توجيه الإنفاق العام لتعزيز نمو القطاع الخاص. كما أن اعتماد إطار مالي متوسط الأجل متكامل، مع مرساة مالية لضمان العدالة بين الأجيال، مدعوماً بمزيد من الشفافية وإدارة المخاطر، من شأنه أن يعزز الاستدامة المالية ويدعم التحول الاقتصادي.
السياسة النقدية والقطاع المصرفي
وبحسب صندوق النقد، فقد حافظ مصرف قطر المركزي على سياسة نقدية متسقة بشكل عام مع السياسة النقدية لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بما يتماشى مع ربط العملة بالدولار الأميركي. وعدّ التقدم الذي أحرزته قطر في تعزيز إدارة السيولة خطوة إيجابية ويستحق الإشادة، بينما تظل الجهود المستمرة ضرورية لتعزيز فاعلية الإطار التشغيلي النقدي. ويظل القطاع المصرفي في وضع سليم، بفضل الاحتياطات القوية، والإشراف الدقيق من جانب مصرف قطر المركزي، والسيولة الوفيرة الناتجة عن الإيرادات الهيدروكربونية. ومع ذلك، تظل اليقظة المستمرة أمراً حيوياً لضمان استقرار القطاع المصرفي، بما في ذلك إدارة صافي التزامات البنوك الأجنبية (على الرغم من أن متوسط آجال استحقاقها قد تم تمديده، وأصبحت مصادر التمويل الخارجية أكثر تنوعاً)، مع معالجة المخاوف المتعلقة بجودة الأصول في بعض البنوك، ومراقبة الترابط بين البنوك والقطاع العام. علاوة على ذلك، فإن تقنين شبكة الأمان المالي من شأنه أن يعزز التنبؤ بالكفاءة والثقة في النظام المالي.
رؤية قطر للتحول الاقتصادي والابتكار
وذكر بيان صندوق النقد أن تحقيق رؤية قطر في التحول من نموذج النمو المدعوم من الدولة، إلى نموذج يعتمد أكثر على المعرفة والقطاع الخاص، يتطلب تعزيز رأس المال البشري وتعقيد الاقتصاد. وعدّ الزخم الإصلاحي الذي توفره استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة أمراً مشجعاً، ونجاح هذه الإصلاحات يتوقف على تحديد الأولويات بشكل صحيح وتعزيز التنسيق بين الوكالات في تنفيذ الإصلاحات. وتشمل الأولويات بناء قوة عاملة ذات مهارات عالية، وتعزيز الابتكار، وتنويع التجارة، وتعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتحقيق كفاءة أكبر في الأعمال التجارية. كما أن قطر في وضع جيد للاستفادة من اعتماد الذكاء الاصطناعي والتوسع الرقمي، ولكن تجب متابعة تأثير هذه التحولات على سوق العمل. ووفقاً للصندوق، يعدّ التنسيق الفعال بين الأطراف المعنية أمراً حاسماً لتحقيق أهداف قطر المناخية. كما أن تعزيز توفر البيانات وجودتها سيكون داعماً قوياً لتحقيق التقدم في المستقبل.
وفي ختام البيان، أعرب فريق عمل الصندوق عن تقديره الكبير للسلطات على المناقشات المثمرة والترتيبات التي سهلت زيارته، حيث التقى خلالها مع وزير المالية، علي بن أحمد الكواري، ومسؤولين بارزين آخرين في الحكومة، بالإضافة إلى ممثلين من القطاع الخاص. وسيعدّ الفريق تقريراً للإدارة التنفيذية للصندوق، الذي من المقرر أن يُناقش في يناير (كانون الثاني) 2025.